Wednesday, February 5, 2014

جنة الشياطين-أو عم طارق النازي وأصدقاؤه(1 من 2)



نشر هذا المقال بموقع قل

في  العام  2005، بدأت أولي اهتماما خاصا بالتجارب الشريرة التي كانت تجري على المساجين السياسيين والأقليات العرقية المضطهدة  في معسكرات وسجون الفورهر خلال الحرب العالمية الثانية. قائمة الأسماء امتلأت بضباط وأطباء من قوات الـSSالمسئولة عن المعسكرات والمعروفة بولائها غير المشروط لهتلر وبوحشيتها في التعامل مع المعارضة. الاسمان الأبرز كانا "يوسف مينجل"(1)و"اريبرت هايم"(2) الملقب بـDr.Death، اللذان قاما بتجارب مخبولة ومريعة تخالف أبسط قواعد الإنسانية لا داعي لسرد تفاصيلها  (أبسطها إجراء عمليات جراحية بدون تخدير) وتسببت في وفاة المئات من اليهود والأوروبيين الشرقيين والغجر.

قادني فضولي لتتبع مصائر الجزاران، الأول هرب إلى أمريكا الجنوبية -جنة النازيين الفارين - وعاش بها حتى وفاته عام 1979، حيث مارس الطب وأشياء أخرى. هناك، يشاع عنه حكايات ترقى للأساطير عن استمراره في تجاربه الغامضة التي أفضت إلى أن تمتلئ البلدة الصغيرة -التي عاش بها- بالتوائم.

المفاجأة كانت أن الثاني اختبأ بمصر وعاش بها بسلام لمدة 40 عاما. الرواية الأولى التي سمعتها تفيد بأن الطبيب الهارب حمل  اسم " طارق فهيم حسين" أو "عم طارق" حسب تسمية شباب حي "العتبة" القاهري، وكان يسكن أحد فنادقه الرخيصة. بالطبع أحبته الناس كلها بسبب تحوله للإسلام (والله وحدة أعلم بحقيقة إيمانه) وعاش وسطهم بسلام، حتى توفي بالسرطان عام 1992، ولم تكتشف هويته إلا بعد مراجعة أوراقه الخاصة التي وجدوها في غرفته بعد وفاته.
بعد قليل من البحث والزيارات الميدانية، اكتشفت أبعادا أخرى للقصة، مبدئيا لا يوجد أي دليل رسمي على وفاة "جزار ماوتهاوزن"! أطفال المنطقة -الذين أصبحوا رجالا الآن- يتذكرون عنه حكايات غائمة؛ المسن الوحيد الذي قبل أن يتحدث معي نصحني بزيارة القاهرة الإسلامية، لصداقة رجلنا بالعديد من أصحاب ورش المهن اليدوية. بعدها بقليل، أخبرتني صديقة أنها سمعت قصة عن دفنه في قبر صغير داخل فناء أحد مصانع الزجاج المملوك لأحد أصدقائه قرب "باب الفتوح" بالقاهرة الفاطمية، حاولنا الوصول إليه وتكللت محاولتنا-بالطبع- بالفشل. مع تطور محتوى الإنترنت، استطعت الوصول إلى المزيد من المعلومات وعرفت أن الرجل مازال إلى اليوم موضع جدل لا ينتهي، وأن أحدا لم يستطع القطع بوفاته أو تاريخها أو حتى أن يري جثته أو موقع دفنها، بل إن هناك نظرية يؤيدها الكثير من الباحثين، تقول بأنه أحس باقتراب صيادي النازي منه، فاستغل حالة الارتباك التي سببها زلزال 1992 وهرب إلى دولة أخرى تحت اسم جديد.

لكن المفاجأة الحقيقة التي اكتشفتها لاحقا، هي أن الشرق الأوسط كان جنة ثانية للشياطين. في برنامج وثائقي عن السفاح قال ابنه: "أبي كان يعرف أن هناك 1000 إلى 2000 نازي يعيشون في مصر, لكنه فضل أن يبقى بعيدا عنهم" هالني الرقم, ومنذئذ تحول البحث في هذا الشأن إلى هواية أمارسها في أوقات فراغي؛ هواية جعلتني اكتشفت قوائم طويلة من النازيين الذين عاشوا في مصر وبلاد الشام، وعمل أغلبهما كـ"مستشارين" بالإذاعة والمخابرات والشرطة وغيرها من الهيئات. استغرق الأمر كثيرا من الوقت حتى استطعت رسم صورة تقريبية للمشهد، خلال تلك الرحلة اضطررت لتجاهل الكثير من المعلومات التي نشرت حصريا على مواقع غير ذات مصداقية واكتفيت بما تم تواتره في أكثر من مصدر أو ما تم نشره في المواقع الموثوق بها.

هؤلاء النازيين الذي قدموا إلى بلادنا، يمكن تقسيمهم إلى نوعين رئيسيين: الأول هم الهاربين من مطاردة ضحايا جرائمهم؛ بطبيعة الحال فضلوا العيش على هامش الحياة السياسية إلا إذا تم كشفهم من قبل السلطات المحلية، وعندئذ، عادة ما يبدأ شكل من أشكال التعاون أو البيزنس الذي قد يكون جبرا أو طوعا بين الطرفين.

ينتمي لى الفريق سابق الذكر كل من طبيبنا، الذي توفي في سلام دون أن يكتشفه أحد ويشاركة المقعد طبيب أخر يدعى "هاينز ايزله"(5) هرب من ميونخ عام 1958 قبيل القبض عليه إلى المعادي، حيث أكمل مسيرتة الطبية إلى أن وافته المنية عام النكسة. وجود الدكتور "ايزله" بمصر كان معروفا للموساد, فحاول اغتيالة بطرد مفخخ انفجر في ساعي البريد! الموساد حاول أيضا اصطياد "الويس برونر"(3) اليد اليمنى لـ "أدولف ايخمان" والمختبئ في سوريا. محاولتي الاغتيال(4) كلفت الرجل الخطير عينه اليسري. "برونر" عمل بمصر كسمسار  للأسلحة لفترة وجيزة، أعقبها استقراه بدمشق تحت اسم "دكتور جورج فيشر" حيث عمل بعد كشفه من قبل المخابرات السورية "مستشارا" للحكومة ويعتقد أن عملة الحقيقي كان تدريب المخابرات السورية على أساليب التعذيب. بمرور الوقت حظي الرجل بثقة وصداقة أسماء بارزة في أجهزة الأمن السورية وعاش بشارع "جورج حداد" بضاحية "أبو رمانة" الراقية، ظل "الويس" يشاهَد بالعاصمة حتى العام 2001. كان الرجل يتمتع بوافرالحظ, ففي عام 1989 أنقذه انهيار حائط برلين من الترحيل إلى ألمانيا إثر صفقة بين ألمانيا الشرقية ونظام حافظ الأسد. قبيل تلك الحادثة,التقى في منزله صحافيا من مواطنيه وأعطاه مقابلة العمر, حيث تحدث لساعات وأكد على أن اليهود استحقوا ما حدث لهم في غرف الغاز وأنه لا يشعر بذرة ندم علي ما فعل، بل وأكد أنه سيفعل الشيء نفسه إن عاد به الزمن.

النوع الثاني من النازيين المستوطنين فهم "خبراء" تم استقدامهم من بلادهم وتعيينهم رسميا من قبل أجهزة الدولة، لتقديم خدمات استشارية أو تدريبية طويلة أو قصيرة الأمد في قطاعات الأمن والإعلام والصناعات الثقيلة، وهو أمر يستحق مقالة منفصلة.
لقراءة الجزء الثاني,برجاء الضغط هنا
(1)                                                                                                                                 http://en.wikipedia.org/wiki/Josef_Mengele
(2)                                                                                                                                 http://en.wikipedia.org/wiki/Aribert_Heim
(3)                                                                                                                                 http://en.wikipedia.org/wiki/Alois_Brunner
(4)                                                                                                                                 http://www.aawsat.com/details.asp?issueno=8070&article=28336#.Uup2QPl_te8
(5)                                                                                                                                 http://www.egy.com/maadi/95-01-28.php



No comments:

Post a Comment