Saturday, December 31, 2011

عن صمويل



كتبت هذة التدوينة في السابع من يناير 2011,بعد أيام من تفجير كنيسة القديسين.اليوم أنشرها في الذكري السنوية الأولي للمذبحة التي راح ضحيتها 25 مصريا.

صمويل جرجس زميل دراسة قديم ,.فرضت علينا طبيعة تخصصنا الدراسي(هندسة البرمجيات) قضاء ساعات طويلة سويا في استذكار الدروس الصعبة و اعداد التدريبات (المشاريع) العملية. في أجواء كلية الهندسة القاتمة و مع ندرة عدد الطلاب في تخصصنا(تخرجنا نحو 60 طالبا) تتطور علاقات الزمالة اليا  الي صداقة تتوطد مع مرور السنوات بسبب الألفة حينا و بسبب الأنعزال عن العالم الخارجي احيانا.

كان صمويل مقربا الي دائرة  اصدقائي الأقرب ,مما فرض علينا قضاء ما لا يقل عن الثمان ساعات يوميا لمدة خمس سنوات تكونت خلالها العديد من الذكريات الطيب في مجملها و ان لم تخل من بعض اللحظات العصيبة. في حقيقة الامر لم نكن يوما اصدقاء مقربين بالمعني الحقيقي للكلمة,فطالما وقف اختلاف مزاجنا عائقا امام تقاربنا.خلال تلك السنوات قام كلانا ببعض الأشياء التي لم ترق للأخر في وقتها ,لكن ظللنا قادرين علي الأحتفاظ بوشاج الصداقة من باب الأيمان بعظمة اللون الرمادي بعيدا عن سذاجة اوهام الحدود الفاصلة بين الأبيض و الأسود و بين الشياطين و الملائكة.

لا أتذكر الأن متي كانت اخر مقابلتنا,بالتأكيد في حدود العام 2004,قبيل أنتقالي للعمل بالقاهرة,منذ ذلك الحين تبادلنا مكالمات هاتفية و مكاتبات الكترونية في المناسبات المختلفة علي سبيل المجاملة . بالطبع لا تجمعنا اليوم الكثير من الأهتمامات المشتركة  بعد ان جرفتنا مشغوليات الحياة . قنع صمويل استسهالا او زهدا بعمل و حياة زوجية مستقرة في المدينة الساحلية الصغيرة نسبيا بينما اثرت انا ,المقامر بالسليقة,مطاردة احلام الترقي الوظيفي في الشركات المتعددة الجنسيات و ادمان الخبرات العقلية واللذات الحسية التي يراها عموم المصريين حرثا في أرض بور و مضيعة للوقت و الجهد.

في يونيو الماضي قررت دولة كندا تعديل نظام هجرة العمالة المؤهلة في خطوة سبقتها اليها استراليا و نيوزلندا و غيرهم من الدول التي يظنها عموم التقنوقراط و المثقفين من ابناء المشرق بابا مفتوحا لن يكلفهم اكثر من طبع بعض الوريقات و ارسالها بريديا الي مقار سفارات تلك الدول عندما تضيق بهم السبل.لكن منذ بدأت الأزمة الأقتصادية العالمية ,و في غضون ستة اشهر وجدت نفسي شخصا غير مرغوب فية في أغلب تلك الدول  بعد ان كنت مقبولا في اغلب برامج الهجرة لتخصصي المهني النادر نسبيا. كان ادراكي لتلك الحقيقة هو لحظة تنوير و ادراك ان الوقت قد حان للقيام بمجموعة من الزيارات الي مختلف المصالح الحكومية لأعداد الملف الذي تلكأت سنوات في ملأة قبل تفوت الفرصة و يغلق الباب الموارب.

كان تلكئي طول السنوات الخمس التي مضت نابعا من راتبي الضخم مقارنة بمتوسط رواتب اصدقاء الطفولة ممن لم يعملوا في نفس تخصصي,و من الأرتباط العاطفي بالعائلة و الظن بأمكانية بناء المرأ سور حول عالمة يكفل لة الحد الأدني من الخصوصية يمكنة من ممارسة حياة طبيعية بعيدا عن كل ما يحدث علي أرض مصر من حمق سياسي و أمراض اجتماعية و نفسية. لكن في السنتين الماضيتين اصبح الحفاظ علي تلك المساحة يزداد صعوبة كل يوم و تيقنت  ان من الأصوب الرحيل الي مجتمعات تحترم الأنسان و حقوقة الفردية قبل السياسية .

يوم الجمعة الماضي اصطحب صمويل,الذي ما زلت ادعوة ب "صديقي", برغم كل اختلافنا,زوجتة و ابنتة التي تبلغ الأربع سنوات,و التي لم ارهما في حياتي الي كنيسة القديسين لحضور قداس العام الجديد و .من سوء طالعة اختار الخروج مبكرا بضع دقائق ليدخن سيجارة او ربما  ليرد علي اتصال هاتفي.حدث ذلك في نفس الوقت الذي قرر فية احدهم اللحاق بأول قطار مباشر الي الجنة بالضغط علي زر المفجر لقنبلتة المحلية الصنع,كان هذا المسافر علي طريق الجنة السريع مخلصا لرحلتة ووغدا بما يكفي لملأء القنبلة بالقطع الحديدية و المسامير لضمان احداث اكبر كم من الأصابات بين المصلين.

اليوم يرقد صمويل في المستشفي الحكومي الذي تحول لثكنة عسكرية ,القليل الذي استطعنا معرفتة عن حالتة زادنا قلقا.فوفقا للأخبار التي استطاع الأصدقاء استخلاصها من اهلة الغير متحمسين للحديث الي مسلمين ,حتي لو كانوا أصدقائة القدامي, فأن جسدة مغطي بحروق من الدرجة الثانية و الثالثة. بالأضافة الي الشعور بالمرارة لأحتمالية فقد صديق قديم و الي الحزن علي عشرون عائلة فقدت احد افرادها,يغمرني شعور مرير بأن جزئا من تاريخي الشخصي تم نسفة.في صباح يوم السبت هاتفت اقرب اصدقائي ,و هو مسلم يسكن منذ طفولتة علي بعد خمس دقائق من الكنيسة محل الأنفجار, قال لي انة يشعر للمرة الأولي بعدم الأمان اثناء عبورة لتلك الشوارع التي احتضنت صعلكتة لثلاثة عقود,و ذلك يرجع,وفقا لة,لرجال الدين الذين ملؤا ادمغة المسلمين بنسخة بدائية تخطاها التاريخ من الأسلام,نسخة تشعر المؤمنين علي االدوام بالتقصير و الذنب و توقعهم في صراع لا ينتهي بين معيشتهم اليومية و بين الأفكار التي لا يقدروا علي تطبيقها.

لكن صديقي, الذي اوافقة فيما قال,نسي في نوبة الغضبة ان المجتمع  يتغير بلا رجعة و ان  مثل هذا الحادث اصبح امرا روتينيا يتكرر مرة او اكثر كل عام .نسي صديقي ثقافة كرة الأخر التي تملأ المجتمع المصري منذ الأزل, كما نسي صديقي المهانة و الهزائم لأقتصادية و السياسة و الأجتماعية و الشخصية التي يتعرض لها المصريون في الشارع و العمل و البيت.هزائم جعلت غضبة و احباطة و كرهة للأخر موجها نحو اي فرد او طرف مختلف عنة ,بشرط ان يكون هذا الطرف في وضعية اضعف منة. بالتأكيد لم تكن التصرفات ستتغير لو كان ميزان القوة مقلوبا و كانت اغلبية المصريين من المسيحيين و الدليل هو ما يمارسة سنة المسلمون ضد الأقلية الشيعية و ما يمارسة المسيحيين و المسلمين متحدان ضد الأقلية البهائية و اصرارهم جميعا علي ابقاء خانة الديانة في البطاقة مع منع كتابة الأديان الغير ابراهيمية و كأنة من المستحيل ان يختار مصري اي دين او فلسفة اخري

منذ عدة سنوات ,قبل ان اتخلص من جهاز التلفاز الخاص بي,شاهدت أحمد فؤاد نجم,الشارع المعارض الأشهر, ينظر في أحد الفضائيات العربية و يؤكد للمشاهدين انة متفائل لأنة لا يوجد اسوأ من الموقف وقتها. اتذكر كيف سخر زميل السكن مما سماة بالتفاؤل الساذج.منذ وقوع حادث الجمعة الماضي ,الذي لا يعد حالة فردية بأي حال(حادث نجع حمادي و أحداث الكشح و غيرها تؤكد ذلك) اخذ الجميع في تكرار ما يطلق علية بالعامية "الأسطوانات المشروخة". في محل عملي,علي المقهي او علي موقع الفيس بوك اخذ كل من اعرفة من المسلمين ترديد كلام مستهلك عن صدمتة مما حدث و التاكيد علي ان الهلال عاش و يعيش و سيعيش دوما متحدا مع الصليب و كأن من يمارس التمييز ضد الأقباط بشكل يومي شعب اخر غير الذي اتعامل معة منذ ثلاثين عاما.في نفس الوقت شرع ال"معتدلين" من المفكرين الأسلاميين كمحمد العوا في ترديد نفس الكلام مع التأكيد علي ضلوع اسرائيل او اطراف خارجية اخري غير مسلمة في الحدث و ذلك حتي قبل صدور اي تقرير رسمي من وزارة الداخلية.اما المثقفين او المستثقفين فقد باشروا في ممارسة وقفاتهم الأحتجاجية و الأستنكارية بالتواز مع تشنج المسيحيين و زيادة تقوقعهم في رحم مؤسسسة الكنيسة بعد ان خذلتهم مؤسسات الدولة و المجتمع مرارا. الأختلاف الوحيد في هذة المرة هو تصاعد اصوات مسيحية مستقلة تلقي بجزء من الللوم علي البابا شنودة.بالطبع لن احتاج للأشارة الي الحكومة و ادائها الرسمي المذري ,سواء في قمعها لكل مظاهر التنفيس والاعتراض (سواء كان ذلك من قبل المسيحيين او نشطاء المعارضة) او في تاكيدتها التي صارت لا تقنع احدا بأن كل شيء علي ما يرام.

المحزن و المخيف في الوقت ذاتة هوانة طالما اصر عموم المسلمين و مفكريهم علي حالة الأنكار هذة و ظلت جميع الأطراف الأخري تغني علي ليلاها في حوار طرشان لا ينتهي . لن يمكن ابدا استعياب و التعلم من أخطاء و صراعات تم خوضها علي هذة الأرض و غيرها خاضتها شعوب اخري كالأوروبيين في القرون الوسطي.
و بما انة لا تبدو بارقة امل علي فهم اي طرف لحقيقة المشكلة فأن الأسواء بالتأكيد لم يأت بعد.

كان تفجير الجمعة الماضي,و الذي لا أستطيع وصفة بالحادث, علامة اخري علي صحة القرار الذي اتخذتة منذ شهور بعد صراع داخلي استمر لأكثر من سنتين.صراع حسمة الكفر بالمصريين حكومة و شعبا و معارضة و مجتمعا ,اليأس من تفهم المصريين ,مسيحيين و مسلمين لثقافة قبول الأخر و افكار المواطنة,التيقن من ان الحكومة و المسئولين لن يعملوا للصالح العام و ادراك ان الحائط الذي بنيتة حول نفسي هو في الحقيقة فقاعة شفافة هشة يمكن اختراقها في اي وقت.

و انا اكتب هذة السطور افكر انة حتي لو نجحت محاولاتي الحالية في الهجرة الي الشمال الأقصي بعيدا عن مستنقع الجنون المسمي بالشرق الأوسط,فستطاردني الأخبار المحزنة عن صديق قديم اخر سقط صريع الفتنة الطائفية,او حادث سيارة عبثي او أحد الأمراض المزمنة التي احتكرت أجساد المصريين. ربما لن اكون مشاركا في هذا الهذيان الذي لم نعد نكف عن أنتاجة اربع و عشرون ساعة يوميا,لكن عبأ التاريخ سيظل علي اكتافي كمواطن تربي في هذة المنطقة التي يختبيء فصل من الصراع الأنساني تحت كل حجر في شوارعها.

بعد ايام من كتابة تلك التدوينة نقل صمويل الي لندن ثم توفي بأحدي مستشفياتها

Thursday, December 15, 2011

عن القطار المندفع نحو الهاوية

لم يفكر المصريين كثيرا قبل نزولهم للتظاهر في الخامس و العشرين من يناير الماضي.في ظهر هذا الثلثاء اندفع عشرات الألاف من شباب الطبقة الوسطي الي الشوارع يسوقهم خليط من الشعور بالمرارة لصعوبة العيش و الغيرة الوطنية بعدما استطاع جيرانهم التونسيين طرد دكتاتورهم قبل ذلك بأسبوعين.

في ذلك اليوم ,لم تتعد اكثر أحلام المتظاهرين(,شبابا و مثقفين و عوام ) جموحا ابعد من طرد الرئيس الذين تفننت أجهزة قمعة البوليسية في أذلال كرامتهم و نجحت حاشيتة في تضيق العيش عليهم بخليط من و الفساد المالي و الجهل الأقتصادي
.لكن في حقيقة الأمر,فأن الثورة ,بجانب أسقاطها جزئيا لنظام فاسد و قمعي, شكلت املا في تخفيف وقع مصائب بيئية صار من المستحيل علي مصر تلافيها.
فبجانب القمع و التنكيل و الفساد السياسي و المالي,كان نظاما الرئيس السابق فاشلا بأمتياز في استيعاب حجم المصيبة التي تندفع اليها البلاد.فقد تحلي هو و من حولة بقدر من تصلب الشرايين و الجمود و انعدام الأبداع و القدرة علي القياس و التحليل المنطقي,بل زاد فوق ذلك اخفاقة في التعامل مع كل النظم التي ترتبط مصالح مصر البيئية و الأقتصادية و الزراعية بها.

منذ تنحي مبارك ,انشغل الجميع بحالة استقطاب علماني\أسلامي حينا و بأستحقاقات حقوقية وقانونية و نضالية اجبر الثوار علي خوضها احيانا و انجروا لها احيانا أخري
و بما انة اصبح من الجلي الأن ان المجلس العسكري لا يزال يمثل رأس حربة الدفاع عن النظام السابق و شبكة مصالحة المعقدة التي لم تسقط كليا بتنحي الرئيس,و ان هناك تحالفات جديدة في طور الأنعقاد فأن المعركة غالبا ما ستستمر لسنين عديدة قادمة مستنفزة طاقة الأفراد الأكثر ادراكا بحقيقة التحديات البيئية التي ستتعرض لها مصر خلال العقدين القادمين.

فأذا سلمنا عقولنا للحقائق العلمية قليلا ,فان معلومة واحدة من نوعية أن "مصر هي المستورد الأول عالميا للقمح" كافية لأستيعاب ما نحن مقبلون علية.فا بالاضافة الي نمط عذاء المصريين الذي اصبح يعتمد علي محاصيل لم يعد اجمالي انتاجها المحلي كاف لتغطية الطلب المتزايد,تشكل تسرب ملوحة البحر المتوسط الي الدلتا و الساحل خطرا مدمرا علي ناتج محصول أراضي زراعية عرفت سابقا بأنها الأكثر خصوبا في البلاد.

و علي الصعيد الثورة المائية,فأن المخابرات ,بقيادة عمر اللواء عمر سليمان فشلت تماما في التعامل مع ملف مياة النيل منذ استلمتة اوائل العقد الماضي.و بسبب صلف الرجل القوي في الجهاز انهارت علاقات مصر بدول المنبع و خاصة بأثيوبيا التي استطاعت القيام بعدة تحالفات مع قوة اقليمية و عالمية لضمان عدم تجدد التهديدات المصرية بأستخدام القوة العسكرية في حالة تهدد حصة مصر من مياة النيل كما فعل مبارك في احد خطبة العلنية في منتصف التعسينات.
و لعل من المؤسف ان اغلب الخبراء و المثقفين المصريين لا يعرفوا شيئا عن الوضع الديموغرافي للدول التي تمثل اهمية استراتيجية لمصر كأثيوبيا.فأثيوبيا اليوم في وضع شبية لوضع مصر في الستينات,كتلة سكانية شابة تنمو بمعدلات سريعة (يبلغ تعداد أثيوبيا حوالي 85 مليون نسمة اكتر من ثلثيهم من الشباب دون الثلاثين) و ترنو الي نهضة عمرانية و اقتصادية و زراعية.و في نفس الوقت تعاني من اتفاقات جائرة فرضت عليها سابقا.بل و لا تلتزم الأطراف الاخري بتلك الأتفاقات الجائرة فتعتدي علي نصيب الطرف الأضعف.و اذا تغاضينا عن المعضلة الأخلاقية في سرقة ما هو ليس من حقنا, فأن كل المؤشرات المنطقية تشير الي ان الوضع لن يبقي علي ما هو علية طويلا,و ان تلك الدول ستطالب ثم تحصل علي حقوقها عاجلا او اجلا و عندها لا تبدو المجاعة المائية سيناريو خيالي كما هو الوضع اليوم.

اما علي مستوي مصادر الطاقة,فأن النظام السابق اصر علي ذبح الدجاجة التي تبيض لة ذهب.فتعاقد مع اسرائيل علي ربط نفسة بأرتباطات طويلة الأجل و بيع كميات كبيرة من الغاز الطبيعي بأسعار اقل من الأسعار العالمية بلا اي سبب منطقي سوي منطق المكسب الفردي الأني بلا اي تفكيرفي تداعيات هذا علي الناس و علي النظام ذات نفسة علي المدي الطويل.

و اذا تحولنا الي مسألة لتلوث ,فلا يحتاج الكاتب الي الكثير من الجهد لأقناع القراء بالوضع المذري لمدينة مثل القاهرة تحوي ربع سكان مصر.و كم تبدو الصورة للنظار شديدة القتامة:فمن حرق قش الأرز الي مليون سيارة عتيقة الطراز تزرع شوارع العاصمة و من مئات المصانع لا تلتزم بأي قانون للحفاظ علي البيئة الي مصانع أسمنت اوروبية تفتح فروعا لها في مصر بعد أغلاقها في بلادها نتيجة لتهديدها للبيئة هناك ,و قبل ذلك و بعدة, بسبب ممارسات يومية لها علاقة بالنظافة الشخصية و نظافة الشوارع.استحقت مصر التربع في المركز السادس عالميا في قائمة الأمم المتحدة لأكثر الدول تلوثا في العالم.

اما ملف الزيادة السكانية فهو الأكثر تعقيدا.كان الأنفجار السكاني أحد المواضيع المحببة الي الرئيس المخلوع في خطبة.و لعلنا لا زلنا نذكر صرختة الشهيرة في احدي خطبة "اجيبلكم منين" . و في حقيقة الأمر,كان النظام السابق فاشلا في ادارة مواردة علي هذا الصعيد,فتخصصت حكومة الجنزوري في بناء المدن الجديدة التي لا تخلو من الخدمات و لا تربطها بجيرانها شبكات نقل,و تهاونت في تجريف الرقعة الزراعية و فشلت في اخراج السكان من ال3% من مساحة مصر التي ظللنا نعيش عليها ملايين السنين. و لذلك فأن الزيادة المطردة,و خاصة في الشرائح الأكثر فقرا و الأقل تعليما من السكان هي بمثابة تركة ثقيلة علي عاتق اي حكومة ستحاول حل المشاكل السابق ذكرها.

بعد كل ما تم حصرة سابقا,يبدو المستقبل البيئي لمصر قاتما و اننا قد تأخرنا بالفعل عشرون عاما علي الأقل و صار تجنب وقوع المشاكل مستحيلا. كل ما نقدر علية الأن هو تقليل وقع أخطاء متراكمة منذ ستين عاما يتقاسم مسئوليتها كل الأنظمة السابقة و الشعب.اما ان لم يستشعر الجميع حجم المشكلة فأن البديل سيكون سيناريوهات كابوسية من نوعية حروب المياة و المجاعات.

Tuesday, July 5, 2011

كتبت هذة التدوين في وقت ما من شتاء 2006

مشهد 1
اهرب بكتبي و موسيقاي المفضلة من ماكينة المدنية التي تهرس روحي و اعصابي 24 ساعة يوميا الي الصحراء.
في الطريق اكتشف ان سبب عطل شبكتي المحمول في الايام الماضية هو الانسة زيزي التي صوت لها الاف المصرين اصحاب الحس الوطني في مسابقة ستار ميكر , يشغل سائق الاوتوبيس فيلما احبة فأتفائل بالرحلة.
مشهد 2:
ينهمك السائحان الكوريان في تصوير الرقص البدوي,لا اعرف كيف سيكون شعوري لو كنت اعيش حياتي في بؤرة الضوء مثل هؤلاء الناس , لابد ان شعورا بالمرارة يخالجهم من الحين للاخر بسبب معاملتهم من قبل الجميع كحيوانات نادرة يتم دراستها او كشخصيات فولكولورية. لكن قف وراء المدفع بدلا من الوقوف امامة ,لم يتفهم اغلب السواح انهم بألوانهم العجيبة و انبهارهم الساذج بالبيئة الصحراوية قد اضحوا مصدر فرجة البدو ايضا .
لم يستطيع جل افراد الفوج السياحي الذي قضي معنا ليلة السافاري ان يدرك انة علي بعد 10 دقائق فقط من العمران,لعبة دعني انخدع-دعني اخدعك الشهيرة تمارس علي اوسع نطاق هنا ,قال لي حسن انة يتعجب كيف اننا مختلفان رغم كوننا من بلد واحد,حسن الذي يتقن الانجليزية و العربية و لهجات و لغات اخري يحب بوب مارلي و يمتلك حس فكاهي رائع و سرعة بديهة بالاضافة الي فطنتة التي امتزجت بخبرة 12 عاما من العمل بالسياحة مما يجعلة قادرا علي معرفة نوع الزبون بعد خمس دقائق.عادة لا يرفض علي الطلبات التي يطلبها زبائنة مادامت لا تخل بالشرف حسب فهمة,ربما لسنا مختلفين كما تبدو الامور علي السطح؟
مشهد 3:
اتمدد في شمس الصباح علي السجادة القديمة ,يدي تداعب الرمال التي اخذت في كسب حراراتها برودة الليل, بجانبي يتبادل مهندس البرمجيات البرازيلي القبلات مع زوجتة المهندسة المعمارية ,يحتفلان هنا بالذكري السنوية الخامسة لمقابلتهما ,تقابلا اول مرة في القاهرة صدفة ثم تقابلا في السنة التالية في صدفة اخري في القدس القديمة, لم يكن امامها سوي الزواج حتي لا يخالفا المشيئة الالهية , هل لديك تسمية اخري؟؟؟؟في الخيمة يستلقي ابراهيم و عمرو و قد غلبهما النعاس بعد سهرة امس,كان عمرو طفلا صغيرا سعيدا و هو يشرح للزوج الفروق بين العربية الانجليزية في نطق الحروف ,في اذني مازال محمد منير يغني افتح قلبك.

Monday, July 4, 2011

اري بعين الخيال

بعد تخلي الرئيس السابق عن صلاحياتة تزايدت حدة الأعتراضات علي التظاهرات الأسبوعية في ميدان التحرير.كان الدفاع الأساسي لهؤلاء المعترضين هو "لو ما لقيتوش الي انتوا عاوزينة اتحقق,التحرير موجود".

اليوم ,و بعد ستة أشهر من نجاح الثورة تبدو الامور رمادية,لازلنا بلا خطة زمنية واضحة توضح خطوات و ميعاد انتقال السلطة,ما زال اغلب افراد الشرطة غائبين عن الشارع او حاضرين رمزيا ,مازالت حالات تعذيب واعتداء بدني لمواطنين في اقسام الشرطة تسجل اسبوعيا , مازالت قوات الامن المركزي تستخدم القوة المفرطة و تقتل المتظاهرين,ما زال افساد المالي و الأداري مستشريا في كل قطاعات الدولة,مازال الكثير من قتلة الشهداء طليقا و يذهب الي عملةكل صباح .الجديد في الامر,ان من كانوا يقولون سلفا ان التحرير ساحة مفتوحة للجميع في حالة تخاذل السلطة اصبحوا الأن معترضين بشكل مبدأي علي اي و كل مظاهرة بغض النظر عن سببها او مكانها.

اري بعين الخيال ,لو توقفت المظاهرات لشهرين فقط في ميدان التحرير ,كوادر الحزب الوطني السابقة بوجوهم الكالحة و بذلاتهم الكحلية و ابتساماتهم الصفراء تحتل الميدان و تؤكد انها شباب الثورة الحقيقي.اراهم و قد رفعوا لافتات تطالب بأعلان الأحكام العرفية و تجريم التظاهر العلني.اري وسائل الأعلام الرسمية و المستقلة (الا القليل منها) و قد فردت مساحات واسعة لنفاق و مداهنة المجلس العسكري,اري مرشحي الرئاسة يغازلون الجيش بشكل فج و يطالبون بأضافة مواد في الدستور تضمن تدخل الجيش في الحياة السياسية,اري الأحكام العرفية تعلن و احد العسكريين يتقدم الصفوف الي مقعد الرئاسة.اري تلك الفتاة ذات الشعر المموج التي اعتدت ان اراها تقود التظاهرات التي تندد بمحاكمة المدنيين امام القضاء العسكري و هي في الأصفاد بتهمة تكدير الامن العام.اري العديد من الأصدقاء الناشطين يتلقون اتصالات هاتفية من جهاز الامن الوطني لتخويفهم.اري الجموع تهاجم اي محاولة لنقد ما يحدث.اري شبكات الفساد تعيد تجديد شبابها و تعين سلالة جديدة من الحكام للأرتقاء الي سدة الحكم.اري كابوسا هتلريا مفزعا في الأفاق.

لا يشغل بالي ان جائت الانتخابات قبل الدستور او العكس و لا اريد مجلسا رئاسيا الأن.كل ما اريدة هو ان يحتشد الناس في ميدان التحرير اسبوعيا بأعداد كبيرة تحت شعارات بسيطة تجمع اكبر ممكن.كما لا تهمني ان تؤدي تلك التظاهرات الي قرارات.كل ما يهمني ان يبقي الضغط الشعبي قويا علي رئوس شبكة الفساد حتي لا يربحوا مساحة اخري ,و ان نضمن جميعا انتقالا سلميا مدنيا للسلطة يسمح بتفكيك شبكة الفساد و تحقق العدل علي المدي المتوسط.

Monday, May 23, 2011

لماذا سأعود للتظاهر الجمعة 27 مايو

كتبت هذة التدوينة علي عجل للحاق بدعوة المدونين المصريين لتجاوز الخط الأحمر و تقييم المجلس العسكري.

تعلمت الا افتش في ضمائر الناس,لكن لي كل الحق في الحكم علي ما ظهر من اعمالهم .

مر اكثر من 100 يوم علي تنحي الرئيس المصري السابق,اكثر من 100 يوم حكم البلاد فيها مجلس ائتلافي من قادة الألوية و الأسلحة المختلفة في الجيش المصري اصطلح علي تسميتة بالمجلس العسكري.قابل عموم المصريين و خاصتهم المجلس بالترحاب و افتراض النوايا الحسنة.الأن و بعد انقضاء ال100 يوم اختلط علي المصريين الأبيض من الأسود و و اختلفوا في تقييمهم في اداء المجلس العسكري.

هذا الصباح بدأ مجموعة من المدونيين حملة لكسر الخطوط الحمراء و تقييم اداء المجلس خلال الفترة الماضية. و للحاق بالحملة ,استقطعت ساعة من وقت العمل الثمين و شمرت عن سواعدي,لذا وجب علي الاعتذار علي ما في التدوينة من تسرع و ركاكة و اخطاء لغوية و املائية.

الأنطباع الاول الذي اود تسجيلة هو ان المجلس العسكري ليس كيانا متجانسا كما يبدو لنا من علي مبعدة,فالتصرفات المتناقضة احيانا توحي بأن تياران اساسيان يتبادلا التحكم في مجري الأمور.و علي كل حال,حتي و نحن ملئي بالتساؤلات و الأعتراضات علي نوايا و اداء المجلس,وجب علينا الا نتجاهل الكثير من الأيجابيات التي قام بها في الشهور الماضية.

و في البدأ ,فأن لأمر الذي يزعجني اكثر من غيرة,هو اصرار المجلس علي انتهاج نفس الطريقة السلطوية الأبوية في التواصل مع الشعب,فالبيانات تصدر فقط وقتما يري المجلس انة الوقت و الظرف المناسب و ليس عندما يحتاج الشعب الي فهم ما يحدث في الكواليس.

النقطة الثانية التي تزعجني هي بطأ و بيروقراطية اداء الجيش فيما يتعلق بالافراج عن المعتقلين بالخطأ و في محاكمات رموز النظام السابق و عودة قوات الشرطة الي الشارع و احداث الفتنة الطائفية ,و هو ما يتناقض مع راديكالية و عنف و تسرع تصرفاتة عندما يتعلق الأمر بالامور التي يراها علي قمة هرم اولوياتة.

الأمر الأخطر في رأيي هو ما بدأ يحدث مؤخرا من ضغوط علي لأعلام الرسمي و الخاص بشكل لا يختلف عن فترة ولاية الرئيس مبارك و التي ادت في النهاية الي ثورة الشعب ضدة.فنجد التلفزيون الرسمي,في اكثر من مناسبة, يقطع بثة المباشر بنائا علي توجيهات عليا.و تجد الأعلام "المستقل" يروج لخرافات من نوعية الانهيار الاقتصادي و الفراغ الدستوري من اجل اسكات اي اصوات معارضة لأجرائات و القوانين و السياسيات التي يسنها المجلس.

اتفهم تماما ان صبر المجلس العسكري اخذ علي النفاذ و ان قدرتة علي تقبل النقد محدودة,و خاصة ان كل افرادة تعودوا علي السمع و الطاعة خلال سنوات خدمتهم العسكرية.لكن عليهم ان ان يستوعب الفارق بين التراتبية التي تجعل السمع و الطاعة واجبا علي العسكري تجاة رئيسة المباشر و بين توليهم المؤقت لأمور الحياة المدنية للبلاد.عليهم ان يفهموا ان أغلب المدنيين ادري بشعاب تلك الحياة منهم,و ان دورهم هو مجرد منسق و منفذ لرغبة الغالبية من المصريين.المصريين الذي ما عادوايعطون 100% من ثقتهم للمجلس .

لكل ما سبق سأتظاهر الجمعة القادمة في ميدان التحرير,من اجل اشعار المجلس اني غير راضي عن ادائة,و تذكيرة انة ليس نظاما منتخبا بشكل ديموقراطي,انما هو مجلس تسيير اعمال.من اجل ان يفهم اني انتظر العدالة الناجزة في مقاضاة الصف الاول و الثاني و التاسع من رموز النظام السابق,من اجل وقف محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية ,من اجل ان يتوقف عن جرنا الي ترهات دستورية و قانونية مصطنعة مثل معركة التعديلات الدستورية ,.و من اجل ان يضغط علي الشرطة المتقاعسة عن اداء عملها و من اجل ان يتوقف عن غسل ادمغة المصريين بضغوطة علي الاعلام و توريج اكاذيب من نوعية الانهيار الأقتصادي.

Tuesday, April 19, 2011

عن الأمل في دولة مدنية(وطن جديد شجاع)

علي مقهي بحي الظاهر,جلست اشرح لصديقي القاهري القح سليل الطبقة الوسطي التوازنات العائلية و العرقية التي تحكم الأنتخابات البرلمانية في اجزاء من الحضر المصري و تسيطر علي المشهد في دلتاة و جنوبة.احبطت حساباتي المتشائمة صديقي الذي كان متحمسا في بداية مقابلاتنا و بدأ في فهم اصراري علي القتال من اجل تطبيق القائمة النسبية في الدورة برلمانية القادمة علي الأقل. كان تفائلي,رغم تلك الحسابات السودوية لغزا غير مببرا في نظرة,و خاصة لما عهدة مني من تشائم و توقع السيناريوهات الأسو في كل ما يتعلق بالمستقبل.

جرنا النقاش الي طرح السؤال الأشهر الذي طالما اعيي خبراء علوم الأجتماع و الأقتصاد و السياسة "لماذا لا يثور المصريين؟". و لعل تجاهل البنية المجتمعية كان سببا رئيسيا في ابقاء السؤال عصيا علي الأجابة طوال كل تلك السنين .فخلال الأربع مائة سنة الأخيرة تبلور مصطلح ال"دولة المدنية" في اماكن مختلفة من العالم,لكن محليا لم تجر مياة كثيرة تحت الجسور.بالتأكيد طرأ الكثير من التغير علي ملبس ومأكل و نمط المعاملات التجارية.فأستبدلت الخيول بالسيارات ,و حلت الأزياء الغربية محل القفاطين,و ملأت اجهزة الهاتف الخلوي واجهات الدكاكين بدلا من القرب و الطرابيش و اطمأن المصريين الي ايداع اموالهم في البنوك, لكن أحتفظ االقطاع الأكبر منهم بأغلب القناعات و الافكار و العصبيات القبلية و التراتبية التي أنتجها أسلافة,يستوي في ذلك الأمي و الجامعي,الأزهري و خريج المدارس الفرنسية.

كان نظام مبارك,حتي مقارنة بمن قبلة من عسكر, الحجر الأكبر في وجة كل محاولة لتغيير تلك البنية.فقد كان مدركا ان تنامي الوعي عند ابناء المجتمع يشكل الخطر الأكبر علي بقائة,لذا لم يقم ابدا بأي جهد حقيقي في تطوير او حتي المحافظة علي المستوي المتدني لمؤسساتة التعليمية التي انتجت عبر السنين الملايين من الجامعيين غير المؤهلين لا تقنيا ولا ثقافيا و علي المحافظة علي كل من شبكة المصالح المعقدة و الهيكل التراتبي العائلي او الديني الذي يقصي الأغلبية خارج طاولة مفاوضات يتحدث فيها فرد او اقلية بأسمهم.و لذا فأن سقوطة الغير متوقع,افسح مساحة للحلم بدوران عجل التاريخ في مصر علي النحو التي جرت فية في مناطق اخري من العالم.

علي المدي القصير,تبدو الصراعات الديموقراطية و الحقوقية الأحق بالحصول علي الأولوية,لكن حتي لو احرز المناضلين كل النجاح المأمول, سيظل التغير الحقيقي و المستدام مرهونا بعملية تفتيت البنية القبلية للمجتمع. و بالنظر الي لأوضاع الأجتماعية المقعدة في مصر,فان عملية تحول بذلك القدر من الجذرية قد ستستغرق اجيالا. و اذا وضعنا الأمور في سياقها التاريخي فسيتبين لنا ان ثورة الخامس و العشرين من يناير يمكن ان تعد الخطوة الثالثة في عملية التحول نحو الدولة المدنية,تلك العملية التي ساهمت فيها الأنظمة حينا و حركتها عجلة التاريخ او القصور الذاتي احيانا .

كان من المنطقي ان تستغرق الخطوة الاولي المساحة الأكبر من الوقت,بدئا من أرسال محمد علي البعثات الي اوروبا مرورا بمشاريع الخديوي أسماعيل الحالمة و حتي أنشاء جامعة فؤاد الأول.بينما دشن النظام الناصري,بقصد او بدون,المرحلة الثانية بأتاحة الفرصة لدخول الجيل الأول من كثير من ابناء الطبقة الوسطي الدنيا و الدنيا الحضرية و الريفية الي الجامعة خلال عقدي الخمسينات و الستينات. وقع الكثير من ابناء هذا الجيل في اشكالية,فجاة وجدوا انفسهم حاملين لمجموعة من القيم و التقاليد تختلف كثيرا عن تلك الخاصة بأبائهم,و نمي لدي الكثير منهم شعور بالأزدواجية بين حياتهم ال"مدنية" مع اقرانهم و بين المنظومة التراتبية التي تحكم بيوت عائلاتهم.عندما اتي الدور عليهم لتولي القيادة,قام غلبهم,بلا وعي منهم, بتكوين خلطة ما بين ما قرأوة و مارسوة في شبابهم و بين السلطوية التي لم يعرف التابعين غيرها.لكن الجيل الثاني من الجامعيين,و خاصة من ابناء المدن جاء منبتا عن ذلك السلسال,رافضا لطريقة العيش تلك بما فيها من قيود.

في العشرين عاما الأخيرة,حرص أغلب كبارات العائلات الكبيرة,و الذين لم يحصل جلهم علي علي قسط وافر من التعليم, علي حصول اولادهم علي شهادات عليا,حتي لو كانت غير ذات قيمة علمية,كنوع من انواع الوجاهة الأجتماعية ,في قاعات المحاضرات و كافيتيريات المعاهد و الجامعات(و بالذات الخاصة, منها)خالط هؤلاء الشباب اقرانهم من سكان الأحياء الغنية من الجيل الثاني و الثالت من الجامعيين. و كما حدث من قبل,وقع الكثير في فخ الحيرة بين نسقيين قيميين متضاديين.و حينما تأتي اللحظة و يصبح فيها هؤلا الشباب قادة لمجتمعاتهم و عائلاتهم,سيخلقوا بدورهم طريقتهم الخاصة في تصريف الأمور,التي ستكون في كل حال اخف ضررا من طريقة ابائهم الذين لم يألفوا سوي اطاعة الكبير و تفضيل المصلحة العائلية علي المصلحة العامة.اما الأحفاد, فسيكونون في الأغلب,اكثر مدنية كغيرهم من ابناء الجيل الثاني من المتعلمين.

ربما اتفقنا ان اتساع رقعة المتعلمين كان امرا واقع الحدوث اجلا,لكن المكسب الحقيقي للثورةهو تعلم ابناء بعض الطوائف و التيارات الدينية فضيلة التمرد علي اختيارات قياداهم السياسة و الروحية,و هو ما جعل تلك القيادات بلا خيارات سوي تجاهل حدث الثورة او القبول بالأمر الواقع و محاولة الأيحاء بان النزول للشارع جاء بنائا علي قرارات اتخذوها بأنسفهم.و بنجاح الثورة في اسقاط رأس النظام,تبدو فرص حدوث أحتجاجات اكثر حدة داخل او علي تلك القيادات السلطوية امرا قابلا للحدوث في غضون سنوات.أحتجاجات ,ان لم تغير تلك المؤسسات جذريا,فأنها علي الأقل ستجعلها مجبرة علي اخذ منحي اصلاحي يسمح لها بالاندماج بشكل أوسع داخل بوتقة المجتمع. هاتا الخطوات ستتما المرحلة الثالثة و ربما تكون تتمة تحول مصر لدولة مدنية.و و ربما كان مؤتمر شباب بالأخوان الذي أقيم بعيدا و رغما عن مكتب الأرشاد ثم تأسيس نجيب ساوريس لحزب ليبرالي يعدا تدشينا لتلك المرحلة.

اعلم جيدا ان مصر لن تتحول لدولة مدنية بالمعني الحقيقي للكلمة بين يوم و ليلة.و اننا سنعد من المحظوظين لو شاهدنا هذا اليوم بأعيننا في شيخوختنا البعيدة. لكن يبقي الأمل في ان يأتي يوم يقف فية ابنائنا سواسية امام القانون. يوم يفهم فية المصريين ,بغض النظر عن ديانتهم و عرقهم و خلفيتهم التعليمية ان مصلتحهم الكبري تكمن في تقبل اختلافهم و في ان يكون ولائهم الأول للوطن,تلك للمساحة المشتركة من لأرض التي يتشاركون فيها.

اعرف ان الأسوأ لم يأتي بعد,لكن الأفضل ايضا سيأتي,فقط اتمني ان يتأخر قليلا ليجيء في النهاية. كلما ضاقت بي السبل أتذكر كل تلك العقول الشابة النجيبة التي صرت اصادفها يوميا....و اتفائل.