Monday, February 10, 2014

جنة الشياطين- أو عم طارق النازي و أصدقاؤه(2 من 2)



نشر هذا المقال بموقع قل 

بعد انتهاء  الحرب العالمية الثانية,وجد كبار النازيين أنفسهم في مأزق.كان جليا أن محاسبتهم علي جرائمهم في فترة الحرب مسألة وقت. لهذا بدأ اثنان من المقربين لهتلر في ربط  شبكة تتكون من مجموعة من المنظمات(بعضها علني و بعضها سري)  المهتمة بإيجاد مخابيء أمنة للنازيين الضالعين في جرائم حرب اطلق عليها "أوديسا"(1) .أحدهما كان قد لعب دورا كبيرا في كبح محاولة التمرد التي تلت محاولة اغتيال الفورهر  الفاشلة أما الثاني فكان ضابط عمليات خاصة و يعتبر المخطط و المنفذ الرئيسي لعملية تحرير ديكتاتور ايطاليا "موسوليني" من سجنه.المصادفة جعلتهما يحملان اسم "أوتو" الشائع في وسط أوروبا.الأول تحمل عائلته لقب"ريمر"(2) و الأخر"سكورينتسي"(3) .

لم يكن أمام الثنائي اختيارات كثيرة.إما أمريكا الجنوبية ,القارة البكر البعيدة التي ظلت علي حياد أثناء الحرب و التي يتعاطف الكثير من أنظمتها الفاشية مع النازي أو الشرق الأوسط. هنا كانت النظم العسكرية الوليدة تكن إعجابا واضحا بانضباط وكفاءة مثيلاتها الألمانية. القضية الفلسطينية الناشئة خلقت من  اليهود و دولتهم العدو الأول لشعوب المنطقة.ضف إلي ذلك كله موجة عاتية من معاداة بريطانياوفرنسا و أمريكا رموز الاحتلال و الإمبريالية. كلمة نازي لم تكن تعني "مجرم حرب" بالنسبة للمواطن العربي.بمنطق "عدو عدوي هو حليفي",هتفت مظاهرات  المصريين لروميل التي سيهزم الإنجليز, بل و حوكم  "أنور السادات" , بتهمة التخابر مع الألمان أثناء فترة الاحتلال البريطاني.صعبت كل تلك العوامل السابقة علي الموساد والمخابرات الغربية القيام بعمليات  تصفية أو اختطاف واسعة مماثلة للعمليات التي  قاموا بها في أمريكا الجنوبية ,و بالتالي أصبح الشرق الأوسط جنة ثانية للشياطين أسلفنا في مقال سابق
بدأت الشبكة في استغلال علاقات مصر و ألمانيا العسكرية منذ فترة الملكية(4) بعد ثورة/أنقلاب 1952 تحولت فلول النازي إلي حليف استراتيجي. الهاجسان الأهم  للنظام  الجديد كانا الأمن الإعلام. فور توليه السلطة, استقدم  اللواء "محمد نجيب“سكورينتسي”ليصبح مستشارا أمنيا له.علي الفور بدأ الضابط في تجنيد العديد من ضباط الجستابو السابقين (5(.تشير المصادر(6) أن المهمة الأساسية للخبراء الجدد كانت نقل تكنيكات الاستجواب و التعذيب التي اشتهرت بها أجهزة الأمن الألمانية إلي زملائهم المصريين.شارك هؤلاء الرجال في استجواب المعارضين المصريين بنفسهم في بعض الأحيان,و ليست صدفة أن المرة الأولي التي ضلع فيها هؤلاء الرجال في تحقيقات كانت مع خمسة من الشيوعيين و اليهود!(7)

بفضل الحاج أمين الحسيني, وجد نجيب ضالته الثانية.في 1953 وصل "يوهان فون ليرز"(8)  من الأرجنتين بتوصية شخصية من  صديقه مفتي القدس(9).الشيخ  عمل لسنوات في برلين مع الحزب الحاكم و حافظ علي علاقة طيبة بكل قياداته و"فون ليرز" كان واحدا منهم. فهو لعقدين كان مسئولا  مع "جوبلز" علي بلورة  خطاب الحزب الرسمي واشتهر بتحريضه ضد العرق السامي في  كل كتبه  (أشهرها"اليهود يحدقون بك"). لن تحتاج إلي كثير من الذكاء لتعرف المنصب الذي تم تعيينه عليه.نعم,المستشار الإعلامي للرئاسة....

.بعد إزاحة نجيب من السلطة, نحا جمال عبد الناصر نحوه.طلب من الثنائي السابق الذكر التمركز في القاهرة و جلب المزيد من أصدقائهم .توسعت أعمال الرجلان و أثريا من توريد السلاح إلي ثوار الجزائر و أصبحا "مقاولا أنفار"لتدريب مخابرات و جيوش أنظمة سورية و مصر و العراق و منظمة فتح و لاحقا ليبيا و الجزائر.

يعرف الجميع أن عصر ناصر كان عصرا للبروباجندا بامتياز.عصرلعب فيه مثقفنا الأري("فون ليرز")دورا أساسيا.رسم الخط العام لهيئة الإرشاد القومي و إذاعة صوت العرب بالإضافة إلي ترأسه مركز الدراسات الصهيونية كما  أشرف علي ترجمة  "شوقي " شقيق الرئيس المصري ل "بروتوكولات حكماء صهيون" المزعومة .

حولت ماكينات الدعاية الرسمية الهجوم الثلاثي علي بورسعيد الذي أعقب إعلان تأميم القناة إلي انتصار للجيش و المقاومة الشعبية وارتفعت شعبية الرئيس الشاب إلي معدلات قياسية! بعد ما اطمئن ناصر علي فاعلية كفاءة ماكينة الميديا و شرطته السرية, شرع في استكمال أحلامه و قرر انتداب الموجة الثانية من الخبراء. دشنت تلك المرحلة  تصميم و بناء استاد ناصر الدولي (في حي مدينة ناصر حديث الإنشاء!) علي يد نفس الرجل الذي صمم لهتلر استاد برلين الأوليمبي(9) ثم كللت ببناء مصنع 333 الحربي في حلوان و انتداب 250خبيرا أوروبيا في  الصواريخ و الإلكترونيات للعمل علي ما سمي ببرنامج الصواريخ المصري(10).في هذا الوقت عاد عرابا الإتفاق إلي بلدهما حيث عقدا صفقة مع الموساد لتسريب أسماء و محال إقامة العلماء الألمان مقابل تخفيف  قبضة صيادي النازي علي زملائهما الهاربين.

بناءا علي تلك  المعلومات, قرر الموساد بدء "عملية داموكلس" (11) في نوفمبر 1962.كعادته أرسل طردا مفخخا إلي مكتب مدير المشروع(12), و كعادة العرب , تم فتحه بدون أي تدابير  احترازية فانفجر في وجه سكرتيرته!! بعد 3 طرود أخري قتلت 5 من العمال المصريين و تهديدات طالت عائلات العلماء, قرر أغلبهم العودة إلي بلادهم و غلق باب التعامل مع النظام المصري  الذي لم يستطع حمايتهم داخل أراضيه ! الباقي انسحب بعد إغلاق المشروع نتيجة حملة عالمية شنتها الدبلوماسية الإسرائيلية ابتزت فيها ألمانيا الغربية و اتهمت حكومتها بال"طرمخة" علي اختباء و تعاون النازي مع نظام ناصر.إثر ذلك قرر المصريون استكمال العمل بأنفسهم. كان المنتج النهائي  " مسخرة"بدائية الصنع لا تناسب مع الثروة التي تم إنفاقها.مسخرة استعملتها الصحف المحلية لاستكمال صورة الجيش الذي لا يهزم و التي صدرتها محليا و صدقها الجميع.




بحلول منتصف الستينات ,استطاع العديد من "رجال الظل"  التوصل لتسويات مع حكومة ألمانيا الغربية و أجهزة المخابرات تمنحهم حق العودة لبلادهم بلا ملاحقة قانونية.هناك افتتحوا  شركات لسمسرة الأسلحة و قدموا خدمات استخباراتية كعملاء مزدوجين .لكنهم ظلوا علي ولائهم لشبكة العلاقات القديمة.الأكثر تطرفا منهم  ك" اوتو ريمر" أسسوا لحركات النازية الجديدة. أما "نجوم الشباك" فطابت لهم  الإقامة هنا"كيوهان" الذي اعتنق الإسلام (غالبا لكسب تعاطف العامة) و توفي في منزله بوسط القاهرة سنة 1965 تحت اسم عمر أمين.
تؤكد بعض المصادر المتحيزة أن بعض هؤلاء الباقين قتلوا علي الجبهة المصرية أثناء القصف الإسرائيلي لمعسكرات الجيش المصري في هزيمة 67,و لكننا لم نعثر علي دليل لذلك في أي مصادر محايدة. في كل الأحوال ,يظل الأمر كله مليئا بالتناقضات العبثية  التي فرضتها الظروف و لعبة السياسة الدولية .فالأوروبيون  اضطروا إلي التعاون مع العرب, أحد الأعراق الدونية حسب الإيمان النازي.أما النظم العربية التي قدمت نفسها كأنظمة تحررية  إنسانية معادية للإمبريالية و الظلم , فاستعانت بجزارين لحكم مواطنيها و تعمية أعينهم.و هكذا الحياة !!
(1)   
(2)                                   
(3)     
(4)       
                                                                                                                            https://www.goodreads.com/book/show/6076459
(5)       
                                                                                                                            http://www.fantompowa.net/Flame/nazis_postwar_egypt.htm
(6)      
الجدير بالذكر أن كتاب A History of the Egyptian Intelligence Service: Mukhabarat, 1910-2009 يؤكد علي احتجاز المخابرات المصرية بعض هؤلاء "الخبراء" في استراحات علي طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوي مجبرة إياهم علي "تدوين" مذكرات عن "أساليب عملهم" مقابل مبالغ زهيدة
(7)                                     
(8)         
                                                                                                                          http://en.wikipedia.org/wiki/Johann_von_Leers
(9)      
(10)    

(11)      
                                                                                                                          http://en.wikipedia.org/wiki/Operation_Damocles
(12)   


No comments:

Post a Comment