Thursday, January 16, 2014

زيمبابوي-قد الدنيا



نشرت هذة المقالة بموقع قل.

تحذير:لا تقرأ هذا النص لو كنت يساريًا مقتنعًا بأن الغرب الاستعماري هو السبب الرئيسي في فقر و تخلف عالمنا الثالث,أو إن كنت تصدق دعاية الإعلام الرسمي الذي يخبرك بأن العالم كله يحيك ضدنا المؤامرات, خوفا من أن نصبح "قد الدنيا".

في العام  79 كانت أغلب القارة الإفريقية قد تحررت باستثناء جنوب افريقيا, و روديسيا الشرقية. أنظار العالم كانت تتابع المعارك المسلحة و السياسية التي يخوضها المناضلون هناك. القضية ألهمت بوب مارلي, أيقونة الفن الثوري في زمنه فكتب أغنيتة الشهيرة "زيمبابوي". بحلول العالم 1980 تحققت المعجزة؛ البيض سيتركوا "روديسيا" التي سيتحول اسمها إلى "زيمبابوي" كما تنبأت الأغنية!! الأبطال المنفيون أو الهاربون إلى الجبال و الغابات مثل "روبرت موجابي" رجعوا إلى العاصمة بعدما تم التخلص من الإمبريالية. المستقبل أصبح مشرقًا و أفريقيا ستعود للأفارقة. للمرة الأولى منذ مئات السنين. لن تكون تابعة لأي قوى عظمى, لا بريطانيا ولا أمريكا ولا حتى الاتحاد السوفيتي.

على الفور تم دعوة النجم الثائر المثقف ليغني في الذكرى الأولى للتحرر. في 17 أبريل 1980 وقف بوب مارلي في إستاد "روفارو" في هراري أمام عشرات الألاف ممن  يفترض أنهم من المناضلين و المقاتلين السابقين لأداء أغنيته الشهيرة (كما ترون في هذا الفيديو )


. تخلل الحفل مشاحنات  عدة, و تم إطلاق قنابل الغاز علي الجماهير التي  حاولت اقتحام المسرح اعتراضًا علي حرمانهم من دخول المكان الذي امتلأ بمحاسيب و معارف مسئولي الحكومة المُشكَّلة حديثًا. بعد ذلك بسنوات قليلة توفي "بوب مارلي" من مضاعفات مرض السرطان (و الذي أصابه بسبب جينات أبوه البيولوجي, الرجل الأبيض- كابتن مارلي) أما  "موجابي" فأصبح رئيسًا للوزراء. تلا ذلك دخول البلاد في شبه حرب أهلية طويلة الأمد, بين الفصائل القومية و بين الماركسيين. موجابي ترقى في سلك العمل السياسي خلال تلك المرحلة, و بعد 7 سنوات انتخب رئيسًا للجمهورية, و منها تحول إلى دكتاتور و مازال ممسكًا بزمام الأمور إلى اليوم. موجابي ليس  محسوبًا على أيٍ من الأطراف الدولية, بل إنه يلعب علي شعبه ببروباجندا المؤامرات الأجنبية. في 33 عاما هي عهد توليه للسلطة, قتل و عذَّب و شرد عددًا ربما يفوق ضحايا نظام الفصل العنصري الذي حكم البلاد لـ100 سنة أو أكثر. معدلات المواليد و متوسط حياةِ الفرد و توزيع الثروة و الفساد كارثية, و تعتبر من الأسوأ على مستوى العالم. 

هل تريد مثالًا؟ تنقطع الكهرباء و المياة عن أرقى أحياء العاصمة هراري لمدد تصل إلى 48 ساعة متصلة, حتي لو كنت ميسور الحال فلن يمكنك النزول للبحث عن سولار لتشغيل مولدك الذي اشتريتة من مالك, لأن البلاد تعيش أزمة محروقات مزمنة. و إن كنت محظوظًا و استطعت دفع رشوة للحصول عليه بطريقة غير قانونية. ستضطر للنزول في الظلام إلى المدينة, و هو خطر أخر لا يقل عن القيادة في الطريق المعتم المليء بالعصابات المسلحة التي لا تستطيع الشرطة السيطرة عليها. زيمبابوي ليست جارة لإسرائيل و ليست دولة تابعة يحكمها دكتاتور موالٍ للغرب. بل إنها  توقفت أساسا عن قبول أية معونات من الأطراف الدوليه. الحقيقة المحزنة أن الخراب سببه الفساد الداخلي. و الحقيقة أيضًا  أن الأذي الذي أوقعه حكام  العالم الثالث ببلادهم و شعوبهم يفوق  بكثير الضرر الكبير - الذي لا ينكره منصف- الذي سببه الاستعمار الأوروبي. من 500 سنة مثلًا كان السود يأسرون بعضهم بعضًا في غرب أفريقيا و يبيعون أبناء جلدتهم للتجار العرب, و الذين بدورهم كانوا يبيعونهم للأوروبيين و هي جريمة أخرى مسكوت عنها في تاريخنا لا يتسع المقام لذكرها الآن. في العصر الحديث عاد مئات الألوف من العبيد السود من امريكا ليؤسسوا دولة  "ليبيريا" علي الساحل الغربي لأفريقيا, فقاموا بسياسات عنصرية و احتكارية ضد السكان "الأصليين" أسوأ من سياسات الفرنسيين و الإنجليز في أوج إمبراطورياتهم. باختصار: فلنترك محفوظات ماكينات الدعاية جانبًا, و لنتوقف بعض الوقت عن النصوصية التي لا تجعلنا مختلفين عن أعتى السلفيين, و إلا سينتهي بنا الأمر كدولة فاشلة يحكمها دكتاتور مخبول ينظر لها العالم بمزيج من الشفقة و القلق.

No comments:

Post a Comment