خمس دلالات مرعبة لواقعة الكفتة

نشر هذا المقال بموقع قل 

الأسبوع الماضي، خرجت علينا القوات المسلحة بالخبر المدوي عن تطويرها جهازين  باستطاعتهما أكتشاف وعلاج العديد من الامراض أبرزها الأيدز و فيروس سي. منذ اللحظة الأولي  تناقلت وسائل الأعلام المحلية الخبر بالكثير من الفرحة والفخر باستثناء القليل من الصحفيين الجادين والأطباء المتخصصين الذين راجعوا كل المعلومات عن الجهاز و خلصوا الى نتائج  مقلقة ملخصها أن الموضوع برمته أكذوبة و أن صانعة اللواء طبيب عبد العاطي ليس لواءا نظاميا بل حصل علي رتبة شرفية، وانه خريج كلية العلوم و ليس طبيبا من الأساس، فضلا عن ممارسته العلاج بالأعشاب لسنوات أتهمه خلالها مرضاه في محاضر رسمية بالدجل مما اضطرة الي نقل عيادتة مرات عدة هربا من الشرطة.

علي شبكات التواصل الأجتماعي كان الوضع اكثر تعقيدا. شكك الشباب المحسوب علي التيارات الثورية/اليسارية في الجهاز وطريقة عمله ومخترعه، بل وذهب أغلبهم الى أبعد من ذلك، فنظموا حملات قاسية للسخرية من الأمر برمته. بينما اكتفى القطاع العلماني المحسوب على تيار 30 يونيو بتجاهل  الموضوع تماما رغم اهتمامة عادة بالعلوم، وشهرة عدد منهم سابقا في محاربة الدجل والخرافات الطبية المقترنة بتيارات السلفية. أكد الأفراد الأكثر تحفظا منهم أن لديهم مأخذ علي الموضوع بل و أكدوا أن الطبيب المزعوم هو "خلية إخوانية نائمة".

المذهل في الأمر(علي الأقل بالنسبة لي)، هو تبرم الكثير من الأصدقاء "التنويريين"/الليبراليين من حملات السخرية  ووصفها بالشعبوية والسخافة الجوفاء. وبما أن هؤلاء الأصدقاء كانوا قد حدثونا كثيرا عن "الحقائق الباردة" و "العقل الذي يجب تغليبه علي العواطف"، لذا اضطر اليوم الى ترك السخرية جانبا والانتقال الى الحديث الجاد عن الدلالات المرعبة للأجواء العبثية التي نعيشها .

(1)الأخ الأكبر لا يراقب سوانا

لا تتوافر لدينا أي معلومة عن تاريخ تكليف اللواء عبد العاطي (وهي رتبة، حسب معلوماتي المتواضعة، لا تمنح إلا بتوقيع رئيس الجمهورية). لكننا نعرف يقينا أن أجهزة الأمن متعددة الأذرع والتي تسيطر علي كل خبايا البلاد (لدرجة أنها استطاعت الوصول الى مجرم في العاشرة من عمره وضع ملصق "رابعة العدوية" على مسطرة مدرسية ) لم تكلف نفسها بالاطلاع على الصحيفة الجنائية للمذكور. وأنا هنا لا اتحدث عن متابعة أو مراجعة التاريخ المهني و الشخصي لفرد يفترض تعيينه في منصب حساس (رئيس لجنة البحث العلمي في الهيئة الهندسية). باختصار، كونك "سوابق" أو دجّال أو جاسوس لن يمنعك من الوصول إلى أعلى المناصب في الجيش/الدولة طالما استطعت إقناع أحد الرؤوس الكبيرة بقدراتك. بجانب فتح الباب أمامك لأكوام من المعلومات والأوراق السرية، قد تصرف الدولة مبالغ لا يعلمها إلا الله على أبحاثك لأن أجهزة الأمن لدينا لا تملك وقتا لهذه التفاهات، فهي طبعا منشغلة بمحاربة الأرهاب!

(2)الطبيب المصري ليس متخصصا في الطب بالضرورة

كم كانت صدمتك عندما رأيت أصدقائك من الجامعيين يدافعون بشراسة عن مهزلة الكفتة بالأيدز؟ حسنا، إليك أخبار أكثر سوءاً: هناك أطباء لا ينتمون الى المؤسسة العسكرية تبرعوا بمجهودهم ويريدون إقناعنا بصحة الأبحاث المزعومة رغم أنهم أحدا لم يعطيهم(أو يعطينا) حتى دليل علمي أو امبريقي واحد على حقيقة الهذيان الذي يبيعه لنا الجيش. وصل بهم الإسفاف بأن يظهروا كامل ثقتهم في صحة الأخبار رغم أنهم لم يروا الجهاز ولا أي من المرضى الذين تم شفاؤهم، أو حتى نتائج ومهنجية البحث. هؤلاء الأطباء يفترض بهم، بحكم دراستهم، المعرفة التامة بالخطوات والتجارب المعقدة التي يقوم بها الباحث عند تجربته أي عقار جديد حتي يستطيع إظهارة للعالم المتشكك والذي سيقوم بدوره الى إخضاعة للعديد من الاختبارات التي أصطلح أن تقوم بها هيئات قياسية.

(3)المراجعات الفكرية ليست خياراً مطروحاً لابناء "المؤسسة"

لا أدعي معرفة الغيب، ولكني استطيع أن أضمن لك إنك، ولعشرين عاما قادمة، لن تقابل واحدا من أبناء "المؤسسة" (كما يطلِق عليها ابنائها) يعترف، ولا حتي بينه و بين نفسه, أن قادته قد جانبهم الصواب في هذه المسألة أو غيرها. و بالتالي يمكنني أن "أبصم بالعشرة" إنك لن تستطيع مناقشة أي ضابط أو صف ضابط بأي نوع من أنواع المنطق عن أبسط الموضوعات طالما تعلقت من بعيد او قريب بتشككه في قرارات قياداتة. كل ذلك حسن بل ومطلوب في الحرب. لكن المقلق هو إن تلك المؤسسة هي فعليا من يقود مصر منذ 60 عاما.

(4)"التنويري" هو شخص  "بينور في الضلمة"

صحيح أن العلمانيين  المصريين طالما صرخوا وبكوا على مصير مصر عندما وقعت في يد "الظلاميين" من المعالجين ببول الإبل، لكنهم الآن ليسوا مهتمين بالانتصار للعلم، فهم منشغلون بالموسيقى والسينما و موسم تزاوج الكوالا وغيرها من الأمورغير الملموسة والتي لا يمكن قياسها معمليا! هذا يمكن ابتلاعه من باب خجلهم ورفضهم الطفولي الاعتراف بأخطاء حساباتهم السياسية التي طالما سموها براجماتية وعقلانية في 30 يونيو2013. لكن "تلييس" كفتة الجيش بطبقة من الترهات الذي تبدو للوهلة الأولي علما منضبطا  مثل:"ما نقدرش نحكم على الموضوع إلا لما يتعرض على مراكز البحث العالمية وإن المشكلة في منهجية إجراء البحث وليست في الاختراع نفسه". هو ببساطة: محض موالسة و دجل.

(5)العناد يورث الوباء!

حتى تاريخ كتابة هذا المقال (مساء الثالث من مارس) لم تنقطع تأكيدات مسئولي القوات المسلحة على صحة المعلومات التي عرضوها علينا، بل ووعدوا بالبدء في علاج المرضى في الثلاثين من يونيو القادم. وبالتالي، لا يبقى مطروحا أمامنا إلا سيناريوهان: الأول، أن تخفت أصوات التاكيد تدريجيا حتى ينسى الرأي العام الأمر، وهو ما يبدو أنه لن يحدث، على الأقل في القريب العاجل. والثاني، أن تركب القيادة رأسها وتبدأ في علاج المرضى على طريقة "كان عندك أيدز و راح". هل تتخيل المئات من مرضى الأيدز والآلاف من مرضى فيروس سي و الأيدز يذهبون الى بيوتهم بشهادات تؤكد على خلوّهم من الفيروس؟ يمارسون الجنس مع زوجات لا تستطعن الرفض(في حالة الأيدز)،يتبرعون بالدم، يجرحون في مقارعملهم أو في الشارع ؟ أعرف أن تلك الفيروسات ضعيفة ولا ينتقل أغلبها بسهولة,لكن فيروس سي متوطن في مصر ولا نعرف تحديدا كيف ينتقل من مريض الي مريض, نحن هنا نتحدث عن مئات الآلاف من حالات الملامسة والتقارب الحميم يوميا و حسب أبسط قواعد الإحصاء،عليك أن تقلق، فالأمر لم يعد "مجرد" وعد كاذب أو جريمة في حق ملايين  المرضى  الذين ستوقفوا عن متابعة علاجهم مما يؤدي لتدهور حالتهم. تتخطى الواقعة كل الحدود الحمراء لتصبح الجريمة هي أحتمال نشر وباء فيروسي متوطن في بلد بلا وزارة صحة أو بنية تحتية لقطاعها الطبي و هي جريمة في حق مجتمع كامل!