Friday, May 18, 2012

ضد الكرة الحديثة-او كيف تعمل المنظومة الأقتصادية للكرة المصرية



قبل اسبوع من مأساة أستاد بورسعيد  ,تابع  "محمد" بشغف  مباريات فريقي "حرس الحدود" و "انبي" المنافسان لفريقة المفضل  "الزمالك" القاهري في مسابقة الدوري المصري.شاهد المهندس الشاب اللاعب الأفواري "ديفونية" لاعب انبي التابع لقطاع البترول و هو يسجل لفريقة هدف الفوز و تابع "علي فرج" حارس نادي "حرس الحدود" و هو ينقذ فريقة من هزيمة محققة.بعد نهاية المباراة تسائل المهندس المتحمس لماذا تهذب اموال الضرائب التي تستقطعها الحكومة من راتبة الي لاعبي اندية قطاع البترول و الجيش و الشرطة.

في اليوم التالي انضم محمد الي اصدقائة  من مجموعة "التراس زمالك" الذين اوقفوا مباراة فريقهم  ضد "أنبي" بعد ثواني  من بدايتها بألقائهم الكثير من الكرات الي داخل الملعب و رفع لافتات تحمل شعار "ضد الكرة الحديثة" “against modern football”. كان للامر  علاقة ببعض لاعبي الفريق الذين أنقطعوا عن حضور التدريبات   او فسخوا تعاقداتهم  وعادوا لانديتهم القديمة اعتراضا علي  عدم سداد مستحقاتهم لفترات طويلة.كما  كان  اسلوب رمي الكرات متأثرا  كغيرة بأساليب تعبير و أحتجاج  مجموعات  الالتراس في اوروبا.
 أعتراض  مشجعو الفريق الأبيض كان موجها بالاساس ضد مادية نجوم الفريق ورفضهم للتضحية من اجل أسم الفريق.و لكن في الحقيقة فأن الزمالك, كغيرة من الاندية الجماهيرية,يعاني من ازمة مادية طاحنة و مركبة انتجتها سنوات من الأدارة العشوائية و الفاسدة لمنظومة كرة القدم المصرية اوصلت تلك  الأندية صاحبة الشعبية الي حالة من الأفلاس المزمن الذي يمنعها من  الوفاء بألتزاماتها  المادية تجاة لاعبيها الذين بدورهم لا يعرفون مصدرا أخر للزرق سوي ركل الكرة باقدامهم  ويجعلها(اي الأندية) مكبلة بقيود قانونية تمنعها من التصرف في اسمها كمنتج تجاري يرفع مواردها القليلة بينما تنعم الأندية عديمة الشعبية بدعم مادي غير مشروط من قبل بعض الهيئات و المؤسسات.
كان الموسم الكروي 1998-1999 فارقا في تاريخ  مسابقة الكرة المصرية بعدما اشتري عملاق الأتصالات "كليك"(تحولي الي "فودافون" لاحقا) الحقوق الحصرية للأعلانات في المسابقة التي تحول اسمها الي "دوري كليك". خلال  ال15 عاما التالية ,تضاعف  عدد ااندية الدوري الممتاز  التابعة لمؤسسات و شركات (اغلبها حكومية)  من 3 او 4 في العام السابق ذكرة الي 13  من اصل 19  في الموسم الحالي.و هي نسبة لم تسجل قط الا في دول الكتلة الشرقية في الأتحاد السوفيتي السابق.



 و بالنظر الي المسابقة الكروية  الأهم  في مصر,فمن  بين 19 ناديا يشكلون قوام الدوري الممتاز المصري اليوم (العدد الفردي للاندية هو  حالة نادرة في تاريخ كرة القدم حدثت  بسبب أخطاء ادارية جسيمة و قرارات حابت بعض الفرق الجماهيرية لا يتسع المجال لشرحها في هذا المقال)  تدار فقط ثلاثة أندية بمنطق المكسب و الخسارة.فتمتلك بينما عائلة ساويرس نادي الجونة ,و يمتلك رجل الاعمال المصري البلجيكي ماجد سامي  فريق وادي دجلة (يمتلك ايضا ناديان للكرة في بلجيكا)  تخضع شركة مصر للمقاصة لأدارة تقيم الأمور بميزان الربح و الخسارة المادي.اما الستة عشر ناديا الباقين فينقسموا الي قسمين رئيسيين:الأندية الجماهرية  التي تمتلك قاعدة شعبية معقولة  و الاندية المملوكة للشركات و الهيئات الحكومية.تصنف اندية الأهلي,الزمالك,المصري, الأسماعيلي, الاتحاد السكندري, سموحة كأندية من النوع الأول بينما تصنف اندية أتحاد الشرطة, حرس الحدود, إنبـي, تليفونات بني سويف, طلائع الجيش, بتروجيت, المقاولون العرب, الإنتاج الحربي,الداخلية من  النوع الثاني.
 يعاني النوع الأول من محدودية الموارد المادية رغم  تمتعة بدرجة ما من الشعبية.تتدخل الدولة أجهزة الدولة احيانا لمساعدتة علي الوفاء بألتزاماتة المادية سواء عن عن طريق تغطية جزء من مستحقات اللاعبين و الرحلات الخارجية او عن طريق المساعدات الغير مباشرة.علي سبيل المثال تكون لارض التي تقع عليها مباني النادي  عادة ملوكة للدولة فتؤجرها الاندية بعقود رمزية لفترات زمنية طويلة تجدد تلقائيا.يتم أختيار  مجالس ادارات هذة الأندية عن طريق أنتخابات و جمعية عمومية للاعضاء.وهم عادة لا يهتمون بنتائج الفريق بقدر اهتمامهم بالخدمات الأجتماعية التي يقدمها المجلس المنتخب لهم.

و اذا استبعدنا النادي "الأهلي" لشعبيتة الجارفة داخل و خارج مصر التي توفر لة فرص دعم عديدة الي جانب ارتباطة  بعقود دعاية متميزة مع وكالة "الأهرام" الاعلانية التي يحتل بعض اعضاء مجلس ادارة النادي مناصب تنفيذية مهمة بها,تضطر اغلب الأندية الجماهيرية الي البحث عن "راعي" للفريق.و في ظل عدم وجود  قوانين و غياب ارادة سياسية لخصخصة الكرة, تبدو مجالس الأدارة  دوما مشلولة  علي مستوي التسويق فتلجأ الي احد الأثرياء من محبي الفريق  ليدعم النادي او حتي ليقود مجلس أدارتة .و تحت هذة الخانة يصنف السادة الكرام ممدوح عباس,الراحل التاريخي السيد متولي,فرج عامر  و غيرهم. و لا يحتاج الأمر الي الكثير من الشروح لندرك مزايا و عيوب هذا  النموذج الأقتصادي. بما ان كل تعاقد او صفقة لا بد ان تمر عبر جيب الرئيس-الراعي و تحوذ علي رضاة لذا فأن مهمة اقناع السيد الرئيس-الراعي بالصفقة  تضاف الي مهام  المدير الفني.مما يفتح الباب لتدخل "صاحب المال" في امور لا يزيد تفقهة فيها عن فهم  اي مشجع من مدمني حضور المباريات في مدرجات الدرجة الثالثة.و عادة تعاني الأندية التي تبنت ذلك النموذج من الدوران في فلك عدم الأستقرار الفني و تحظي  بمعدل عالي في كل من  استقالات و اقالات المديريين الفنيين و انضمام  و رحيل اللاعبين.

 اما النموذج الثاني,و هو الاكثر اثارة للأهتمام فهو نموذج نادي المؤسسة  الحكومية الذي  لا يتمتع بأي شعبية جماهيرية  و يستقطع جزئا من ميزانية الدولة. و من المثير للتأمل ان مؤسات  البترول و الجيش و الشرطة  تمتلك  وحدهما 40% من اندية الدوري الممتاز(ثمانية اندية) و جميعها مؤسسات تمتلك من الحصانة ما يمنع وزارة المالية او غيرها من المؤسسات من علي مراقبة و مراجعة مصروفاتها.وقد يكون مفهوما ان تنفق بعض الشركات الخاصة او الحكومية علي قطاع كرة القدم من باب الدعاية لمنتجاتها لكن بالتأكيد لا ينطبق هذا علي وزارات الداخلية و الدفاع و البترول و الأنتاج الحربي.

 و نظرا لما  تمتلكة هذة المؤسسات من حصانة,ففلن يكون في وسعنا سوي تخمين ارقام  تقريبية و أعطاء تحليلات اولية عن حجم مكاسب و مصروفات  تلك الأندية للحكم علي نجاحها كمشروعات ربحية.و احقاقا للحق, فأن  تلك المؤسسات تمتلك  ملاعبها الخاصة (مثل ملعب طلائع الجيش و نادي و منتجع  بتروسبورت) و تؤجرها في كثير من الاحيان  لأندية و مؤسسات اخري,مما يعني انها تمتلك مصادر للدخل تستطيع بها الانفاق علي نفسها(يتحدث  مسئولي وزارة البترول دوما عن "منظومة البترول الرياضية").لكن علي مستوي المدفوعات فان  عليها ان تغطي رواتب جيش من المدربين و الاداريين و لاعبي فرق الناشئين  و عمال غرف الملابس و  اخصائيي الاعتناء بعشب الملاعب.اضف الي ذلك  دخولها في منافسة قاطعة للرقاب للحصول علي خدمات لاعبين متميزين للمنافسة او الأستمرار في مسابقة الدوري الممتاز تكلفها ارقام تصل الي عشرات الملايين سنويا(نحن هنا نتكلم عن مزاد يدفع فية النادي ارقام تصل احيانا الي عشرة ملايين للاعب الواحد).وبالأضافة للعامل البشري, تحتاج المصاريف النثرية الاخري كميزانية الأزياء و الأطقم الرياضية  و الأحذية و انتقالات الفرق للمباريات الخارجية الي نهر اخر من الاموال.اضف الي كل ذلك ان بعض تلك الاندية(ك"بتروجيت" و "انبي") تغري اللاعبين الواعدين بالأنضمام اليها بتعيينهم كموظفين في تلك الشركات حتي يضمنوا مستقبلهم بعد الأعتزال!

و بجانب الخسارة الأقتصادية الكبيرة للأندية,فان مسابقة الدوري الممتاز ذاتها سلعة بائرة.و لعلنا نذكر رفض قناة "الدوري و الكأس"  القطرية شراء حقوق الدوري العام منذ شهور قليلة  لأنها لن تستطيع ايجاد معلنين لأكثر من نصف مباريات البطولة و هي المباريات التي سيكون طرفاها من اندية المؤسسات سابقة الذكر. و ربما ندرك الأن ان كرة القدم في مصر ليست سلعة مربحة  لصانعيها لكنها في الوقت ذاتة مصدر تربح للكثير من الأطراف الأخري.ظهرت في السنوات الأخيرة حوالي عشرة قنوات رياضية مصرية  خاصة لا تمتلك اغلبها حقوق بث لأي بطولات  اخري سوي مباريات بطولتي الدوري و الكأس المصريان و تمتلأ استديوهاتها بالعشرات من "خبراء" و "محللي" الكرة  متوسطي او معدومي الموهبة و القبول ممن لم يستطيعوا الحصول علي فرص للظهور في القنوات العربية التي تفضل الحصول علي خدمات اعلاميين علي مستوي من المهنية و القدرات اللغوية.يتقاضي هؤلاء ال"خبراء" مبالغ طائلة و يجلوس لساعات طويلة للحديث قبل و بعد المباريات لفتح المجال امام اذاعة اكبر عددمن الأعلانات.تتقاطع مصالح هذة الشبكة مع مسئولي أتحاد الكرة المصري.و هم ايضا لا يختلفون عن اصدقائهم "المحللين" كثيرا. فأتحاد الكرة المصري يعاني من فساد مالي و  فشل أداري المزمن (مثال:حاز الملف المصري لأستضافة كأس العالم 2010 علي 0 صوت بعد ان عين لاعب سابق لا يتكلم كلمة واحدة اجنبية  مديرا لحملة تسويق الملف) و  لكثير من مسئولية  علاقات وثيقة  برموز النظام السابق ثم بالمجلس العسكري لاحقا(تم تعديل موعد بعض اهم لقائات الموسم الكروي المصري قبيل ساعات من انطلاقها بأوامر مباشرة من المجلس العسكري).

 و بين هذة الشبكة المعقدة من المصالح و رومانسية قطاع عريض من  جمهور الكرة و اعتراض القيادات السياسية خوفا من الغضب الجماهيري  تتعالي الأصوات المعارضة لأي حديث عن "تحديث" الكرة المصرية و طرح الاندية ذات الجماهرية  للاكتتاب و التخلص من ميراث اندية المؤسسات الحكومية الثقيل او حتي عن رعاية  الكيانات الأقتصادية الكبري للأندية علي طريقة التجربة اليابانية في الثمانينات.و في النهاية تتكتل الأغلبية ضد الكرة الحديثة كما تتكتل  ضد اي محاولة مماثلة للتحديث  او التغيير السياسي او الأقتصادي  رعبا  من المجهول او خوفا من اشباح في عقولهم يسمونها  "امراض المجتمع الغربي".

No comments:

Post a Comment