لم يفكر المصريين كثيرا قبل نزولهم للتظاهر في الخامس و العشرين من يناير الماضي.في ظهر هذا الثلثاء اندفع عشرات الألاف من شباب الطبقة الوسطي الي الشوارع يسوقهم خليط من الشعور بالمرارة لصعوبة العيش و الغيرة الوطنية بعدما استطاع جيرانهم التونسيين طرد دكتاتورهم قبل ذلك بأسبوعين.
في ذلك اليوم ,لم تتعد اكثر أحلام المتظاهرين(,شبابا و مثقفين و عوام ) جموحا ابعد من طرد الرئيس الذين تفننت أجهزة قمعة البوليسية في أذلال كرامتهم و نجحت حاشيتة في تضيق العيش عليهم بخليط من و الفساد المالي و الجهل الأقتصادي
.لكن في حقيقة الأمر,فأن الثورة ,بجانب أسقاطها جزئيا لنظام فاسد و قمعي, شكلت املا في تخفيف وقع مصائب بيئية صار من المستحيل علي مصر تلافيها.
فبجانب القمع و التنكيل و الفساد السياسي و المالي,كان نظاما الرئيس السابق فاشلا بأمتياز في استيعاب حجم المصيبة التي تندفع اليها البلاد.فقد تحلي هو و من حولة بقدر من تصلب الشرايين و الجمود و انعدام الأبداع و القدرة علي القياس و التحليل المنطقي,بل زاد فوق ذلك اخفاقة في التعامل مع كل النظم التي ترتبط مصالح مصر البيئية و الأقتصادية و الزراعية بها.
منذ تنحي مبارك ,انشغل الجميع بحالة استقطاب علماني\أسلامي حينا و بأستحقاقات حقوقية وقانونية و نضالية اجبر الثوار علي خوضها احيانا و انجروا لها احيانا أخري
و بما انة اصبح من الجلي الأن ان المجلس العسكري لا يزال يمثل رأس حربة الدفاع عن النظام السابق و شبكة مصالحة المعقدة التي لم تسقط كليا بتنحي الرئيس,و ان هناك تحالفات جديدة في طور الأنعقاد فأن المعركة غالبا ما ستستمر لسنين عديدة قادمة مستنفزة طاقة الأفراد الأكثر ادراكا بحقيقة التحديات البيئية التي ستتعرض لها مصر خلال العقدين القادمين.
فأذا سلمنا عقولنا للحقائق العلمية قليلا ,فان معلومة واحدة من نوعية أن "مصر هي المستورد الأول عالميا للقمح" كافية لأستيعاب ما نحن مقبلون علية.فا بالاضافة الي نمط عذاء المصريين الذي اصبح يعتمد علي محاصيل لم يعد اجمالي انتاجها المحلي كاف لتغطية الطلب المتزايد,تشكل تسرب ملوحة البحر المتوسط الي الدلتا و الساحل خطرا مدمرا علي ناتج محصول أراضي زراعية عرفت سابقا بأنها الأكثر خصوبا في البلاد.
و علي الصعيد الثورة المائية,فأن المخابرات ,بقيادة عمر اللواء عمر سليمان فشلت تماما في التعامل مع ملف مياة النيل منذ استلمتة اوائل العقد الماضي.و بسبب صلف الرجل القوي في الجهاز انهارت علاقات مصر بدول المنبع و خاصة بأثيوبيا التي استطاعت القيام بعدة تحالفات مع قوة اقليمية و عالمية لضمان عدم تجدد التهديدات المصرية بأستخدام القوة العسكرية في حالة تهدد حصة مصر من مياة النيل كما فعل مبارك في احد خطبة العلنية في منتصف التعسينات.
و لعل من المؤسف ان اغلب الخبراء و المثقفين المصريين لا يعرفوا شيئا عن الوضع الديموغرافي للدول التي تمثل اهمية استراتيجية لمصر كأثيوبيا.فأثيوبيا اليوم في وضع شبية لوضع مصر في الستينات,كتلة سكانية شابة تنمو بمعدلات سريعة (يبلغ تعداد أثيوبيا حوالي 85 مليون نسمة اكتر من ثلثيهم من الشباب دون الثلاثين) و ترنو الي نهضة عمرانية و اقتصادية و زراعية.و في نفس الوقت تعاني من اتفاقات جائرة فرضت عليها سابقا.بل و لا تلتزم الأطراف الاخري بتلك الأتفاقات الجائرة فتعتدي علي نصيب الطرف الأضعف.و اذا تغاضينا عن المعضلة الأخلاقية في سرقة ما هو ليس من حقنا, فأن كل المؤشرات المنطقية تشير الي ان الوضع لن يبقي علي ما هو علية طويلا,و ان تلك الدول ستطالب ثم تحصل علي حقوقها عاجلا او اجلا و عندها لا تبدو المجاعة المائية سيناريو خيالي كما هو الوضع اليوم.
اما علي مستوي مصادر الطاقة,فأن النظام السابق اصر علي ذبح الدجاجة التي تبيض لة ذهب.فتعاقد مع اسرائيل علي ربط نفسة بأرتباطات طويلة الأجل و بيع كميات كبيرة من الغاز الطبيعي بأسعار اقل من الأسعار العالمية بلا اي سبب منطقي سوي منطق المكسب الفردي الأني بلا اي تفكيرفي تداعيات هذا علي الناس و علي النظام ذات نفسة علي المدي الطويل.
و اذا تحولنا الي مسألة لتلوث ,فلا يحتاج الكاتب الي الكثير من الجهد لأقناع القراء بالوضع المذري لمدينة مثل القاهرة تحوي ربع سكان مصر.و كم تبدو الصورة للنظار شديدة القتامة:فمن حرق قش الأرز الي مليون سيارة عتيقة الطراز تزرع شوارع العاصمة و من مئات المصانع لا تلتزم بأي قانون للحفاظ علي البيئة الي مصانع أسمنت اوروبية تفتح فروعا لها في مصر بعد أغلاقها في بلادها نتيجة لتهديدها للبيئة هناك ,و قبل ذلك و بعدة, بسبب ممارسات يومية لها علاقة بالنظافة الشخصية و نظافة الشوارع.استحقت مصر التربع في المركز السادس عالميا في قائمة الأمم المتحدة لأكثر الدول تلوثا في العالم.
اما ملف الزيادة السكانية فهو الأكثر تعقيدا.كان الأنفجار السكاني أحد المواضيع المحببة الي الرئيس المخلوع في خطبة.و لعلنا لا زلنا نذكر صرختة الشهيرة في احدي خطبة "اجيبلكم منين" . و في حقيقة الأمر,كان النظام السابق فاشلا في ادارة مواردة علي هذا الصعيد,فتخصصت حكومة الجنزوري في بناء المدن الجديدة التي لا تخلو من الخدمات و لا تربطها بجيرانها شبكات نقل,و تهاونت في تجريف الرقعة الزراعية و فشلت في اخراج السكان من ال3% من مساحة مصر التي ظللنا نعيش عليها ملايين السنين. و لذلك فأن الزيادة المطردة,و خاصة في الشرائح الأكثر فقرا و الأقل تعليما من السكان هي بمثابة تركة ثقيلة علي عاتق اي حكومة ستحاول حل المشاكل السابق ذكرها.
بعد كل ما تم حصرة سابقا,يبدو المستقبل البيئي لمصر قاتما و اننا قد تأخرنا بالفعل عشرون عاما علي الأقل و صار تجنب وقوع المشاكل مستحيلا. كل ما نقدر علية الأن هو تقليل وقع أخطاء متراكمة منذ ستين عاما يتقاسم مسئوليتها كل الأنظمة السابقة و الشعب.اما ان لم يستشعر الجميع حجم المشكلة فأن البديل سيكون سيناريوهات كابوسية من نوعية حروب المياة و المجاعات.
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment