علي مقهي بحي الظاهر,جلست اشرح لصديقي القاهري القح سليل الطبقة الوسطي التوازنات العائلية و العرقية التي تحكم الأنتخابات البرلمانية في اجزاء من الحضر المصري و تسيطر علي المشهد في دلتاة و جنوبة.احبطت حساباتي المتشائمة صديقي الذي كان متحمسا في بداية مقابلاتنا و بدأ في فهم اصراري علي القتال من اجل تطبيق القائمة النسبية في الدورة برلمانية القادمة علي الأقل. كان تفائلي,رغم تلك الحسابات السودوية لغزا غير مببرا في نظرة,و خاصة لما عهدة مني من تشائم و توقع السيناريوهات الأسو في كل ما يتعلق بالمستقبل.
جرنا النقاش الي طرح السؤال الأشهر الذي طالما اعيي خبراء علوم الأجتماع و الأقتصاد و السياسة "لماذا لا يثور المصريين؟". و لعل تجاهل البنية المجتمعية كان سببا رئيسيا في ابقاء السؤال عصيا علي الأجابة طوال كل تلك السنين .فخلال الأربع مائة سنة الأخيرة تبلور مصطلح ال"دولة المدنية" في اماكن مختلفة من العالم,لكن محليا لم تجر مياة كثيرة تحت الجسور.بالتأكيد طرأ الكثير من التغير علي ملبس ومأكل و نمط المعاملات التجارية.فأستبدلت الخيول بالسيارات ,و حلت الأزياء الغربية محل القفاطين,و ملأت اجهزة الهاتف الخلوي واجهات الدكاكين بدلا من القرب و الطرابيش و اطمأن المصريين الي ايداع اموالهم في البنوك, لكن أحتفظ االقطاع الأكبر منهم بأغلب القناعات و الافكار و العصبيات القبلية و التراتبية التي أنتجها أسلافة,يستوي في ذلك الأمي و الجامعي,الأزهري و خريج المدارس الفرنسية.
كان نظام مبارك,حتي مقارنة بمن قبلة من عسكر, الحجر الأكبر في وجة كل محاولة لتغيير تلك البنية.فقد كان مدركا ان تنامي الوعي عند ابناء المجتمع يشكل الخطر الأكبر علي بقائة,لذا لم يقم ابدا بأي جهد حقيقي في تطوير او حتي المحافظة علي المستوي المتدني لمؤسساتة التعليمية التي انتجت عبر السنين الملايين من الجامعيين غير المؤهلين لا تقنيا ولا ثقافيا و علي المحافظة علي كل من شبكة المصالح المعقدة و الهيكل التراتبي العائلي او الديني الذي يقصي الأغلبية خارج طاولة مفاوضات يتحدث فيها فرد او اقلية بأسمهم.و لذا فأن سقوطة الغير متوقع,افسح مساحة للحلم بدوران عجل التاريخ في مصر علي النحو التي جرت فية في مناطق اخري من العالم.
علي المدي القصير,تبدو الصراعات الديموقراطية و الحقوقية الأحق بالحصول علي الأولوية,لكن حتي لو احرز المناضلين كل النجاح المأمول, سيظل التغير الحقيقي و المستدام مرهونا بعملية تفتيت البنية القبلية للمجتمع. و بالنظر الي لأوضاع الأجتماعية المقعدة في مصر,فان عملية تحول بذلك القدر من الجذرية قد ستستغرق اجيالا. و اذا وضعنا الأمور في سياقها التاريخي فسيتبين لنا ان ثورة الخامس و العشرين من يناير يمكن ان تعد الخطوة الثالثة في عملية التحول نحو الدولة المدنية,تلك العملية التي ساهمت فيها الأنظمة حينا و حركتها عجلة التاريخ او القصور الذاتي احيانا .
كان من المنطقي ان تستغرق الخطوة الاولي المساحة الأكبر من الوقت,بدئا من أرسال محمد علي البعثات الي اوروبا مرورا بمشاريع الخديوي أسماعيل الحالمة و حتي أنشاء جامعة فؤاد الأول.بينما دشن النظام الناصري,بقصد او بدون,المرحلة الثانية بأتاحة الفرصة لدخول الجيل الأول من كثير من ابناء الطبقة الوسطي الدنيا و الدنيا الحضرية و الريفية الي الجامعة خلال عقدي الخمسينات و الستينات. وقع الكثير من ابناء هذا الجيل في اشكالية,فجاة وجدوا انفسهم حاملين لمجموعة من القيم و التقاليد تختلف كثيرا عن تلك الخاصة بأبائهم,و نمي لدي الكثير منهم شعور بالأزدواجية بين حياتهم ال"مدنية" مع اقرانهم و بين المنظومة التراتبية التي تحكم بيوت عائلاتهم.عندما اتي الدور عليهم لتولي القيادة,قام غلبهم,بلا وعي منهم, بتكوين خلطة ما بين ما قرأوة و مارسوة في شبابهم و بين السلطوية التي لم يعرف التابعين غيرها.لكن الجيل الثاني من الجامعيين,و خاصة من ابناء المدن جاء منبتا عن ذلك السلسال,رافضا لطريقة العيش تلك بما فيها من قيود.
في العشرين عاما الأخيرة,حرص أغلب كبارات العائلات الكبيرة,و الذين لم يحصل جلهم علي علي قسط وافر من التعليم, علي حصول اولادهم علي شهادات عليا,حتي لو كانت غير ذات قيمة علمية,كنوع من انواع الوجاهة الأجتماعية ,في قاعات المحاضرات و كافيتيريات المعاهد و الجامعات(و بالذات الخاصة, منها)خالط هؤلاء الشباب اقرانهم من سكان الأحياء الغنية من الجيل الثاني و الثالت من الجامعيين. و كما حدث من قبل,وقع الكثير في فخ الحيرة بين نسقيين قيميين متضاديين.و حينما تأتي اللحظة و يصبح فيها هؤلا الشباب قادة لمجتمعاتهم و عائلاتهم,سيخلقوا بدورهم طريقتهم الخاصة في تصريف الأمور,التي ستكون في كل حال اخف ضررا من طريقة ابائهم الذين لم يألفوا سوي اطاعة الكبير و تفضيل المصلحة العائلية علي المصلحة العامة.اما الأحفاد, فسيكونون في الأغلب,اكثر مدنية كغيرهم من ابناء الجيل الثاني من المتعلمين.
ربما اتفقنا ان اتساع رقعة المتعلمين كان امرا واقع الحدوث اجلا,لكن المكسب الحقيقي للثورةهو تعلم ابناء بعض الطوائف و التيارات الدينية فضيلة التمرد علي اختيارات قياداهم السياسة و الروحية,و هو ما جعل تلك القيادات بلا خيارات سوي تجاهل حدث الثورة او القبول بالأمر الواقع و محاولة الأيحاء بان النزول للشارع جاء بنائا علي قرارات اتخذوها بأنسفهم.و بنجاح الثورة في اسقاط رأس النظام,تبدو فرص حدوث أحتجاجات اكثر حدة داخل او علي تلك القيادات السلطوية امرا قابلا للحدوث في غضون سنوات.أحتجاجات ,ان لم تغير تلك المؤسسات جذريا,فأنها علي الأقل ستجعلها مجبرة علي اخذ منحي اصلاحي يسمح لها بالاندماج بشكل أوسع داخل بوتقة المجتمع. هاتا الخطوات ستتما المرحلة الثالثة و ربما تكون تتمة تحول مصر لدولة مدنية.و و ربما كان مؤتمر شباب بالأخوان الذي أقيم بعيدا و رغما عن مكتب الأرشاد ثم تأسيس نجيب ساوريس لحزب ليبرالي يعدا تدشينا لتلك المرحلة.
اعلم جيدا ان مصر لن تتحول لدولة مدنية بالمعني الحقيقي للكلمة بين يوم و ليلة.و اننا سنعد من المحظوظين لو شاهدنا هذا اليوم بأعيننا في شيخوختنا البعيدة. لكن يبقي الأمل في ان يأتي يوم يقف فية ابنائنا سواسية امام القانون. يوم يفهم فية المصريين ,بغض النظر عن ديانتهم و عرقهم و خلفيتهم التعليمية ان مصلتحهم الكبري تكمن في تقبل اختلافهم و في ان يكون ولائهم الأول للوطن,تلك للمساحة المشتركة من لأرض التي يتشاركون فيها.
اعرف ان الأسوأ لم يأتي بعد,لكن الأفضل ايضا سيأتي,فقط اتمني ان يتأخر قليلا ليجيء في النهاية. كلما ضاقت بي السبل أتذكر كل تلك العقول الشابة النجيبة التي صرت اصادفها يوميا....و اتفائل.
No comments:
Post a Comment