Saturday, February 25, 2012

عن الشيخ و الموظف و الميزانية و المديونية

تخيل معي موظفا حكوميا في الأربعين من عمرة.تخيلة كهلا بكرش لا يتناسب مع قوامة الناحل,يحك في ملل صلعتة اللامعة بالعرق و يرتدي قميصا أبيض مسطرا بالطول و علي معصمية خرقتي قماش أسود يرتديهما حتي لا تتسخ أكمام قميصة.دقق بعين الخيال علي المنضدة التي أمامة في ذلك الدفر الأحمر المسطر ضخم الحجم ,علي الغلاف ستقرأ عبارة "الميزانية العامة المصرية للعام 2012" مكتوبة بخط الرقعة.

تخيل معي صفا من الرجال جميعهم في منتصف العمر .يمسك كل منهم بمظروف ورقي,يناول صاحب الدور المظروف الي صاحبنا فيفضة,يعد ما فية من نقود, ثم يضعها بحرص في خزانة حديدية قابعة وراءة بعد ان يكتب اسم الشخص في خانة "دائن" و قيمة المبلغ في خانة "القيمة" و اخيرا يناول صاحبنا ايصالا بذلك.الرجل بدورة يعود بهدوء الي طابور أخر يتشكل من كل من سلموا النقود الي الموظف سابق الذكر.

و بعد أستراحة تخللتها صلاة العصر ووجبة قوامها الأساسي من الفول و كوب من الشاي الثقيل,يعود الموظف الي عملة مرهقا و متوجسا لأن الجزء الأصعب من العملية لم يأت بعد. يتسلم المسكين طلبا من كل ممن ورد قرشا في الصباح,بالأضافة الي أخرين لم يشاركوا في عملية التوريد.يناقش كل طالب فيما يطلبة من مال فيدافع الثاني عن مقصدة و يسهب في شرح اهمية حصولة علي كل المبلغ و في كيفية انفاقة علي احسن حال لتحقيق الرفاهية لكل من وقف في الطابور الطويل البطيء في ذلك اليوم الحار.عندئذ قد يقرر الموظف منحة المبلغ المطلوب او جزء منة فيخرجة من الخزينة و يقيدة في خانة "مدين" و يسلمة بعد ان يمضي الطالب ايصالا بالأستلام.

ما حكيناة أعلاة هو تبسيط مخل لما تقوم بة وزارة المالية في الثلاثين من يونيو من كل عام لرسم الميزانية العامة للدولة. لكننا في خضم القصة نسينا ان مدير الموظف المسكين كثيرا ما يطالبة بأخراج مبالغ طائلة من الخزانة تحت بنود لا يري لها فائدة.تارة تحت بند أجور خبراء و مستشارين للمدير و تارة تحت بند مصروفات سرية و تارة تحت بند الحفاظ علي حراسة و امان الخزانة و تارات اخري لأسباب قد يراها هذا الموظف ثانوية او يمكن ترشيد الأنفاق فيها.

أعلم اني قد صدعت رأسك بقصصي,لكن كن كريما و تحملني حتي نهاية قصتي التي اعدك بألا تتاخر: تخيل معي ان شيخا عظيم اللحية وقف في قلب القاعة و بصوت جهوري طالب الواقفين في الطابور ان يفتحوا أظرفهم المغلقة و يخرج جميعهم مبلغ متساوي قليل القيمة و ان يضعوة في عبائتة التي فردها.تخيل معي ان الرجل كان شريف الغرض و كان كل همة الا يلوي ذراعهم جارهم الثري الذي يمنحهم كل عام مبلغا غير هين من المال علي سبيل العطية و يتحكم مقابل ذلك في مقدرات أمورهم. تخيل ان الناس امنت علي قولة و جمعت المبلغ المطلوب و طردت مندوب جارهم من القاعة.تخيل الجمع و هو يتراجع و يفسح المجال للشيخ الجليل ليعطي ذلك المبلغ الي الموظف سابق الذكر وسط التهليل و التكبير.

تخيل معي الأن موظفنا المسكين و هو يحسب اجمالي المبلغ الوارد الية ثم تخيلة معي و هو يتمم لان المبلغ الموجود في الخزينة مازالا ناقصا و ان ما جمعة الشيخ من الناس لم يزيد مجموع الدخل و لم يساهم في سد العجز لأنة قد تم جمعة مما كان بالفعل في الأظرف,اي انة كان سيدخل بالضرورة في الخزانة.تخيلة اخيرا و هو يحاول ان يشرح ,في يأس, ان المبادرة الكريمة من الشيخ لم تفيدهم في شيء و ان الخزانة اصبحت تعاني من عجزا ماليا عليهم تعويضة بحل واحد أو أكثر من ثلاثة حلول:أقناع المدير بترشيد الأنفاق فيما لا يفيد او زيادة المبلغ الوارد في كل ظرف من المصدر او التودد الي جارهم الذي تم طرد مندوبة سابقا؟

تخيل معي ان الشيخ تناسي عن قصد و حسن نية او ربما تجاهل خشية من الصدام التصرفات العلنية و المثيرة للريبة للمدير و تبديدة للعهدة بلا طائل.و بدلا من تنبية الناس لما يحدث و نصحة للمدير بالتوقف عن انفاق المال فيما يثير الريبة او حتي نصحة للناس بترشيد انفاقهم قام بجمع قيمة العجز من رقيقي الحال و محدودي الموارد ليعطية الي موظف خزانة يعمل تحت امرة مدير تحوم حولة الشبهات.... الا يستحق منا الشيخ,في احسن الاحوال, النصح و الأرشاد؟